قَالَ الرَّافِعِيُّ: مسألتان:
إحداهما: الحُرَّة التي تَطْهر وتحيض، تعتد من الطلاق بثلاثة قروء، والأَمَة تَعْتدُّ بقرءين عن عمر -رضي الله عنه (1) - أنَّه قال: "يُطَلِّقُ العَبْدُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ الأمَةُ بِقُرْءَيْنِ".
ويُرْوى ذلك عن ابن عمر (2) موقوفاً ومرفوعاً، قال الأئمة -رحمهم- الله تعالى: ومقتضى الأصول أن تعتد بقرء ونِصْفٍ؛ لأن كلَّ عددٍ يُؤَثِّر فيه الرِّقُّ بالنقصان، يكون الرقيق فيه على النصف مما عليه الحر كالحدود وعدد المنكوحات والقَسْم، إلا أن القروء لا تتبعض، فكُمِّل، كالطلاق، ووجَّهوا قولهم أن القُرْء لا يَتبعَّض، بأن القرء مُفسَّر بالانتقال نصفه أو بالطُّهْر بَيْن الدمَيْن، والانتقالُ لَيْس شيئاً يَتبعَّض، والطُّهْرُ بَيْنَ الدَّمَيْن إنَّما يظهر نصفه إذا طهر كلُّه يعود الدم، فلا بد من الانتظار إلى أن يَعُود الدَّم والمكاتبة وأم الولد والمدبرة في العدة؛ كالقُنَّة، وكذا مَنْ بعضها رقيقٌ، ولو وُطِئَت أمةٌ بنكاح فاسد أو بشبهة نكاحٍ اعتدت (3) بقرءين كما في الطلاق عن النكاح الصحيح، وإن وُطِئَتْ بشبهةِ مِلْكِ اليمين فتَسْتَبْرئ بقُرْء واحد.
وإن عَتَقَتِ الأمة المُطَلَّقة في العدَّةِ، نُظِرَ؛ إن كانت رجعيَّة، فقولان: الجديد واحد القولين في القديم: أنه يجب عليها تكميل عدة الحرائر.
والثاني، من قولَيِ القديم: أنَّها تقتصر على ما وجب في الابتداء، وهو قرءان، وإن كانت بائنة، فالقديم وأحد قولَي الجديد: أنها تعتد بقرءَيْن.
وللثاني أنها يُكَمِّل عدة الحرائر، وإذا أطلقت، قلت فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها تقنع بقرءين بائنةً كانت أو رجعيَّةً، وبه قال مالك -رحمه الله-؛ لأن الحرِّيَّة طرأت بعْد دخول العدَّة علَيْها، فلا يتغير الواجب بها.
والثاني، وبه قال المزنيُّ، أنها تكمل عدة الحرائر بائنةً كانت أو رجعيةً؛ لأنه وُجِدَ سبَبُ العدة الكاملة في أثْنَاء العدَّة، فتنتقل عليها كما لو رأَت الدم في خلال الأشهر.
والثالث، وبه قال أبو حنيفة وأحمد -رحمهما الله-: إن كانت رجعيةً، تكمل (4) عدة الحرائر، وإن كانت بائنةً، فلا؛ لأن الرجعية كالمَنْكُوحة في كثر الأحكام، فصار كما إذا عَتَقَت قبْل الطلاق، وهذا كما أن الرجْعِيَّة تنتقل إلى عدَّة الوفاة، لو مات عنها زوْجُها، والبائنة لا تنتقل، وهو أصَحُّ الأقوال، فيما ذكر صاحب "التهذيب" وجماعة.