الصلاة فإنها تؤثر فيها؛ لأن النية ركن في الصلاة تجب إدامتها حكمًا إن لم تجب إدامتها حقيقة، ولا يمكن إدامتها حكماً مع نية القطع، فتبقى الأفعال بلا نية، وقراءة الفاتحة لا تفتقر إلى نية خاصة فلا يؤثر فيها نية القطع (1) فلو أتى بتسبيح أو تهليل في أثنائها، أو قرأ آية أخرى فيها بطلت الموالاة، قل ذلك أم أكثر؛ لأن الاشتغال بغيرها يغير النظم، ويوهم الإعراض عنها، وهذا فيما لا يؤمر به في الصلاة، أما ما يؤمر به وتتعلق به مصلحة الصلاة، كما إذا أَمَّنَ الإمام والمأموم في خلال الفاتحة فأمن معه، أو قرأ الإمام آية رحمة فسألها المأموم، أو آية عذاب فاستعاذ منه، أو آية سجدة فسجد المأموم معه، أو فتح على الإمام قراءته، ففي بطلان الموالاة في جميع ذلك وجهان:
أحدهما، وبه قال الشيخ أبو حامد: تبطل، كما لو فتح على غير إمامه أو أجاب المؤذن، أو عطس فحمد الله تعالى.
وأصحهما، وبه قال صاحب "الإفصاح" والقاضي أبو الطيب والقفال: لا تبطل صلاته، لأنه ندب إلى هذه الأمور في الصلاة لمصلحتها، فالاشتغال بها عند عروض أسبابها لا يجعل قادحاً، وهذا مفرع على استحباب هذه الأمور للمأموم وهو المشهور.
وفيه وجه آخر: لم يجروا هذا الخلاف في كل مندوب إليه، فإن الحمد عند العطاس مندوب إليه، وإن كان في الصلاة فهو قاطع للموالاة، ولكن في المندوبات التي تختص بالصلاة، وتعد من صلاحها.
وقوله: "إلاَّ ما له سبب في الصلاة" محمول على هذا، ولما كان السكوت مبطلاً للموالاة بشرط أن يكون طويلاً، وكان التسبيح ونحوه مبطلاً من غير هذا الشرط، قيد في لفظ الكتاب السكوت بالطويل، وجعل التسبيح يوصف كونه يسيراً مبطلاً للموالاة؛ تنبيهًا على الفرق بينهما، ثم لا يخفى أن ما يبطل قليله فكثيره أولى أن يبطل.
الضرب الثاني: أن يخل بالموالاة ناسياً، ونذكر أولاً مسألة وهي: أنه لو ترك الفاتحة ناسياً هل تجزئه صلاته؟ الجديد -وهو المذهب- أنه لا يعتد بتلك الركعة، بل إن تذكر بعدما ركع عاد إلى القيام وقرأ، وإن تذكر بعد القيام إلى الركعة الثانية صارت هذه الركعة أولاه ويلغي ما سبق، ووجهة الأخبار الدالة على اعتبار الفاتحة، والإلحاق بسائر الأركان.
وقال في "القديم" تجزئه صلاته تقليداً لعمر -رضي الله عنه- "فَإنَّهُ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فِي صَلاَةِ الْمَغْرِبِ فَقِيلَ لَه فِي ذلِكَ فَقَالَ: كَيفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسجُودُ قَالُوا: كَانَ حَسَنًا