وروي أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ آخَذَ شَيْئاً مِنَ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِيني فِي صَلاَتِي، فَقَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للْهِ، وَلاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرَ، وَلاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ " (1) ثم هل يتعين شيء من الأذكار أم يتخير فيها؟ فيه وجهان:
أحدهما: أن الكلمات المذكورة في الخبر الثاني متعينة لظاهر الأمر، وعلى هذا اختلفوا: منهم من قال: تكفيه هذه الكلمات الخمس؛ لأنه قال: "علمني ما يجزيني في صلاتي" والنبي -صلى الله عليه وسلم- علمه هذه الكلمات، وبهذا قال أبو علي الطبري والقاضي أبو الطيب، ومنهم من قال: يضم إليها كلمتين أخرتين حتى تصير سبعة أنواع، فيكون كل نوع بدلاً عن آية. والمراد بالكلمات هاهنا أنواع: الذكر لا الألفاظ المفردة.
وأصحهما: أنه لا يتعين شيء من الأذكار، وبه قال أبو إسحاق المَرُوزي، وهذا هو الذي ذكره في الكتاب؛ لأنه أطلق فقال: فيأتي بتسبيح وتهليل، وعلى هذا فتعرض الخبر للكلمات الخمس جرى على سبيل التمثيل، وهل يشترط أن لا تنقص حروف ما يأتى به عن حروف الفاتحة؟ فيه وجهان: كما ذكرنا فيما إذا أحسن غير الفاتحة من القرآن.
أصحهما -وهو المذكور في الكتاب- أنه يشرط، ثم قال إمام الحرمين: لا يرعى هاهنا إلا الحروف بخلاف ما إذا أحسن غير الفاتحة من القرآن، فإنه يراعي عدد الآيات، وفي الحروف الخلاف.
وقال في "التهذيب": يجب أن يأتي بسبعة أنواع من الذكر، ويقام كل نوع مقام آية، وهذا أقرب تشبيهاً لمقاطع الأنواع بغايات الآيات، وهل الأدعية المحضة كالأثنية؟ فيه تردد للشيخ أبي محمد.
قال إمام الحرمين: والأشبه أن ما يتعلق بأمور الآخر، يقوم دون ما يتعلق بالدنيا، ويشترط أن لا يقصد بالذكر المأتي به شيئاً آخر سوى البلدية، كما إذا استفتح أو تعوَّذَ على قصد إقامة سنتهما، ولكن لا يشترط قصد البدلية فيهما ولا في غيرهما من الأذكار في أظهر الوجهين، وإن لم يحسن شيئاً من القرآن والأذكار فعليه أن يقوم بقدر الفاتحة، ثم يركع، وكل ما ذكرناه فيما إذا لم يحسن الفاتحة أصلاً.
قال الغزالي: فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ النِّصْفَ الأَوَّلَ مِنْهَا أَتَى بِالذِّكْرِ بَدَلاً عَنْهُ، ثُمَّ يَأْتِي بِالنِّصْفِ الأَخِيرِ.