وَيطْمَئِنُّ (ح) بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ هَوِيُّهُ عَنْ ارتِفَاعِهِ، وَلاَ يَجِبُ الذِّكْرُ.
قال الرافعي: تكلم في أقل الركوع، ثم في أكمله، أما أقله فقد ذكر فيه شيئين لا بد منهما:
أحدهما: أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه، يقال إنه ورد في لفظ الخبر، ومعناه: أنه يصير بحيث لو أراد أن يضع راحتيه على ركبتيه لتمكن، وهذا عند اعتدال الخلقة وسلامة اليدين والركبتين، وفي لفظ الكتاب الانحناء إشارة إلى أنه لو انخنس وأخرج ركبتيه، وهو مائل منتصب لم يكن ذلك ركوعاً، وإن صار بحيث لو مد يديه لنالت راحتاه ركبتيه؛ لأن نيلهما ركبتيه لم يكن بالانحناء.
قال إمام الحرمين: ولو مزج الانحناء بهذه الهيئة، وكان التمكن من وضع الراحتين على الركبتين بهما جميعاً لم يعتد بما جاء به ركوعاً أيضاً، ثم إن لم يقدر على أن ينحني إلى الحد المذكور إلا بمعين، أو الاعتماد على شيء، أو بأن ينحني على شق لزمه ذلك، وإن لم يقدر انحنى القدر المقدور عليه، وإن عجز أومأ بطرفه عن قيام.
واعلم أن الذي ذكره في هذا الوضع هو حد ركوع القائمين، فأما إذا كان يصلي قاعداً صار حد أقل ركوعه وأكمله مذكورًا في فصل القيام.
والثاني: أن يطمئن، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: لا تجب الطمأنينة.
لنا ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاء، فَسَلَّمَ عَلَيهِ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ؟ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: عَلِّمنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبغ الْوُضُوء ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَ رَاكِعًا" (1).
ومعنى الطمأنينة في الركوع: أن يصير حتى تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع، وينفصل هويُّه عن ارتفاعه منه، فلو جاوز حد أقل الركوع وزاد في الهَوِيِّ، ثم ارتفع والحركات متصلة فلا طمأنينة، وزيادة الهوى لا تقوم مقام الطمأنينة، فهذا بيان الأمرين اللذين لا بد منهما.
وأما قوله: (ولا يجب الذكر) فالغرض من ذكره هاهنا بيان خروجه عن حد الأقل، خلافاً لأحمد، فإنه يحكى عنه إيجاب التسبيح في الركوع والسجود مرة واحدة، وكذلك إيجاب التكبير للركوع والسجود.