بالخبز عند نفاذه، لم يَحْنَث، فإن كل ذلك يعد في العرف أكْلةً واحدةً، ولو ارتضع من ثَدْيِ امرأة، ثم انتقل في الحال إلى ثَدْيٍ آخر، ففيه خلافٌ سنذكره من بَعْدُ.
ولا يُشْتَرط أن يكون وصول اللبن في المَرَّات الخمس على هيئة واحدةٍ، بل لو ارتضع في بعْضِها، وأوجز في بعْض، وأسْعَط في بعْضٍ، حتى تَمَّ العدد، يَثْبُت التحريم، وكذا في الصَّبُّ في الجراحة الحقنة، إذا جعلْناهما مؤثرتَيْن.
ولو حَلَب لبن امرأة دفعة (1) واحدة، وأوْجَرَ الصبيُّ في خمس دفعاتٍ؟ نقل المزنيُّ والربيع أنها رضْعةٌ واحدةٌ، ثم قال الربيع: وفيه قولٌ آخر: أنَّها خمس رضعات، وللأصحاب طريقان:
أظهرهما: أن في المسألة قولَيْن:
أحدهما، وبه قال أبو إسحاق: أنها خمس رضَعَاتٍ تنزيلاً للإناء المنتقل منه منزلة الثدي، وأيضاً، فاعتباراً بالوصول إلى جَوْف الصبيِّ، وربما شبه ذلك بما إذا وضع الطعام دفعةً واحدةً، وأكله في دفعات يكون ذلك أكلاتٍ، حتى لو حَلَف؛ لا يأكل في اليوم إلا مرةً واحدةً، وفعل هذا، يحنث.
وأصحهما عند أكثر الأصحاب: أنَّها رضعة واحدةٌ؛ لأنه انفصل دفعةً واحدةً، وربما قيل: طرف الانفصال أَوْلَى بالاعتبار؛ ألاَ ترى أنه لو ارتضع الطِّفْل مِنْ لبنها بعْد موتها, لم تَثْبت الحُرْمَة، ولو حَلَب اللبن في حياتها وأوجر الصبيّ بعْد موتها، تثبت الحرمة، قالوا: وليْسَ الإناء كالثدي؛ فإن اللبن يَحْدُث في الثدي شيئاً فشيئاً، فكلما ارتضع، حدث غيره، فَيَحْصُل التفريق (2)، وفي الإناء لا يَحْدُث شيئاً بعد شيْءٍ.
والطريق الثاني: القَطْع بأنها رضْعة، وجعل ما نقله الربيع من كيسه، ويُحْكَى هذا عن القاضي أبي حامِدٍ -رحمه الله-، وإن حَلَب في خمس دفعات، وأوجر الصبيّ دفعةً واحدةً، فمَنْ قطع بالاتحاد في الصورة الأُولَى، قطع هاهنا أيضاً، وهؤلاء يشترطون التعدُّد في طريق الاتصال والانفصال جميعاً، والذي أثبتوا هناك على قولَيْن؛ افترقوا هاهنا، فَمِنْ طاردين لهما بانين للقولَيْنِ على أنَّ النظر إلى حالة الانفصال والاتصال، وبهذا قال صاحب "الإفصاح" وأبو إسحاق، ومِنْ قاطِعِينَ بالاتحاد في طرف الاتصال، (3) ذاهِبِين إلى أنه أوْلَى بالاعتبار؛ لأن أَثَر الإرضاع، وهو التغذي وثبات اللحم، يتعلَّق به، ولو حَلَب في خمس دفعات وأوجر الصبيّ في خمس دفعات، نُظِرَ؛ إن خلَط المَخْلُوط، ثم أوجر، فطريقان: