تسليمها بالعَقْد جملةً؛ للعلم بها، وجملةُ النفقة غَيْرُ معلومةٍ؛ لأن نهاية النكاح غيْر معلومة.
والجديد: أنَّها لا تجب بالعقد؛ لأن المهر يجب به، والعقد لا يوجب عوضَيْن مختلفين، ولأن النفقة مجهولة الجملة، والعَقْد لا يوجب مالاً مجهولاً وإذا لم تجب بالعقد فتجب بالتمكين يوماً فيوماً (1).
وما حال القَوْلَيْن؟ قال أبو الفرج السرخسيُّ: هما مذكوران في "الإملاء".
وقال قائلون: هما مستخْرَجَان من معانِي كلام الشافعيِّ -رضي الله عنه- غير منصوص عليه، ويدل عليه شيئان:
أحدهما: أن أبا نصر بْنَ الصَّبَّاغ في آخرين: ذكروا أن القديم مأخوذٌ من تجويزه في القديم ضمانَ نفقة المدة المستقبلة، فإن الشافعيَّ -رضي الله عنه- لا يُجَوِّز ضمان ما لِمِ يجب، لكن قد مر في "كتاب الضَّمان" نَقْلُ قول عن القديم: أنه يجوز ضمان ما لم يَجِبْ.
والثاني: عن صاحب "الحاوي"، ونقل اختلاف الأصحاب في تجويزه عن سبب النفقة، فالبغداديون علَّقوها بالتمكين، وجعلوا سبْق العقد شرطاً، فقالوا: تجب بالتمكين المستند إلى العَقْد، والبصريون قالوا: تجب بالعقد؛ بشرط التمكين، فَرَدَّ الأمر إلى كلام الأصحاب، وتصرُّفِهِم، ثم ذكر في الكتاب من فوائد القولَيْن صورَتيْن:
إحداهما: لو اختلفا في التمكين، فقالت المرأة: مكنَتَ وسلمت نفسي إليك منْ وقْت كذا، وأنكر ولا بينة، فإنْ قلْنا: إن النفقة تجب بالتمكين، فالقول قول الزوج، وعليها البيِّنة؛ لأن الأصل عدم التمكين، وهو الأصح، وإن قلْنا؛ تجب بالعقد، فالقول قولها؛ لأن الأصل استمرارُ ما وَجَبَ بالعَقْد، وهو يدَّعي السقوط، فعليه بيِّنة النشوز المُسْقِط. هذا هو المشهور، وأشار الرُّويانيُّ إلى طريقةٍ قاطعةٍ بأن القول قوْلُ الزوج.
ولو تَوَافَقَا على تسليمها نَفْسَها، وقال الزوج: قد أدَّيت نفقة المُدَّة الماضية، وأنكرتِ الزوجة، فالقول قولُها، سواءٌ كان الزوج حاضراً عنْدها أو غائباً، وعن مالك -رحمه الله-: أنه إذا كان حاضراً عنْدها، فالقول قولُهُ؛ لأن معاشرتها إياه تَدُلُّ على أخذها النفقة.