وَإِلاَّ فَلاَ، وَإِنْ زُوِّجَتْ صَغِيرَةٌ مِنْ صَغِيرٍ فَقَوْلاَنِ مُرَتَّبَانِ، وَأَوْلَى بِأَنْ لاَ تَجِبَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه ثلاث صور:
الأُولَى: إذا كانت المرأةُ صغيرةً، فسُلِّمَتْ إلى الزوجِ البالِغِ، أو عُرِضَتْ عليه، فقولان:
أحدهما: أنَّها تستحِقُّ النفقة؛ لأنها محبوسةٌ عليه، وفوات الاستمتاع بسَبَبٍ هي معذورة فيه، فأشبهت المريضة والرتقاء.
وأصحُّهما: المنع، وهو المنصوص عليه في الأم، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد -رحمهم الله-؛ لأنَّه تعذر الاستمتاع بها؛ لمعنى فيها، فأشْبَهَت ما إذا نَشَزَتْ، وليست كالمريضة، فإن المرض يطرأ ويزول، ولا يفوت الأنس وجميع الاستمتاعات، ولا كالرتقاء؛ فإن الرتق مانعٌ دائمٌ، ولا يمكن إدامة الحَبْس عليها مع نفْي النفقة، وقد يبنى القولَيْن على أن النفقة تَجِبُ بالعَقدْ أو بالتمكين، فعَلَى الأَوَّل: تَجِبُ، وعلى الثاني: لا؛ وعلى هذا جرى في الكتاب.
الثانية: لو كانت المرأة بالغةً، والزوجُ صغيراً، فقولان في النفقة أيضاً:
أحدهما: لا تجب؛ لأنه لا يستمتع بِهَا؛ بسبب هو معذورٌ فيه، فلا يُلْزَمُ غُرْماً.
وأصحُّهما: وهو المنصوص في "الأم": أنها تَجِبُ وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه لا مَنْعَ من جهتها، والتعذُّر جاء من جهته، فصار كما لو سلَّمت نفسها إلى الزوج، فَهَرَبَ، وقد تَرتَّب القولان في هذه الصورة على القولَيْن في الأُولَى، ويقال: هي أَوْلَى بالوجوب، وكذلك فَعَل في الكتاب، وَيتولَّد من الترتيب طريقان.
أحدهما: طَرْدُ القولَيْن. والثاني: القطع بالوجوب، وقد حَكَى القطْعَ هكذا القاضي ابن كج عن أبي إسحاق وغيره، ولك أن تقول: إنه قضية القولَيْنِ في أنه تَجِبُ النفقة بالعَقْد أو بالتمكين معاً، وفي الصورة طريقة ثالثة؛ وهي القَطْع بالوجوب، إذا كانَتِ المرأةُ جاهلة بصغره وتخصيص القولَيْن، بما إذا كانت عالمة، وعن أحمد -رحمه الله- في الصورة الثانية: روايتان كالقولين (1).
الثالثة: إذا كانا معاً صغيرَيْنِ، ففي النفقة قولانِ أيضاً، وقد يترتبان على القولَيْن في الصورة الثانية، وهذه أوْلَى بعَدَم الوجوب؛ لوجود المانع من الطرفَيْنِ، واختصاصه بطرف الزَّوْج هناك، وهو الأصحُّ المنصوص، وقيام المانع فيها يكْفِي لِمَنْع النفقة، وعن القَفَّال: أنه جمع بين الصور الثلاث، وقال: هل يَمْنَعُ صِغَرُ الزوجَيْنِ النفَقَةَ؟ فيه ثلاثة أقوال: