قال في "الوسيط": لأنهم لم يلجئوه حِسّاً، ولا شرعاً، فصار قولُهُم شرطاً محضاً، كالإمساك.
وقوله في الكتاب: "شهادة الزور" المراد ما إذا شهدوا ورَجَعُوا، والقصاص يُنَاط برجُوعِهم واعترافهم بالتعمُّد لا يكذبهم، حتى لو تَيَقَّنَّا كذبهم؛ بأن شاهدنا المشْهُود بقتله حَيّاً فلا يظهر وجُوبُ القِصَاص عليهم؛ لجواز أنهم لم يتعمَّدوا.
وقوله: "فيناط به القِصَاصُ عندنا" كلمة "عندنا" على خلاف عادة الكتاب، ثم هي غير مغنية عن الإعلام بالحاء؛ لأنه لا يعرف مِنَ الملفوظ أنه عنْد مَنْ لا يُنَاطُ بها القصاص؟
وقوله: "إلا إذا اعترف الوليُّ بكونه عالماً بتزويرهم" هاهنا يكفي الاعتراف بكذبهم، ويقتضي ذلك وجوبَ القِصَاص عليه، رجَعُوا أو لم يَرْجِعُوا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّالِثَةُ: ما يُولِّدُ المُبَاشرَةَ تَوْلِيداً عُرْفِيًّا لاَ حِسِّياً وَلاَ شَرْعِيّاً كَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ المسْمُومِ إلَى الضَّيْفِ وَحَفْرِ بِئْرٍ فِي الدَّهْلِيزِ وَتَغْطِيَةِ رَأسِهِ عِنْدَ دَعْوَةِ الضَّيْفِ، وَفِي ارْتبَاطِ القِصَاصِ بِهِ قَوْلاَنِ لِأَنَّ الضَّيْفَ مُخْتَارٌ لَيْسَ مُلْجَأً حِسّاً وَشَرْعاً، فإِنْ قُلْنَا: لاَ قِصَاصَ وَجَبتِ الدِّيَةُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَمَّا كان التوليد في المرتبة الأُولَى، وهي الإكراه حسيّاً، وفي المرتبة الثانية، وهي الشهادة شَرعيّاً، أشار إلى ذلك بقوله في هذه المرتبة. "توليداً عرفيّاً لا حسيّاً ولا شرعيّاً" والمقصود أنه إذا أوجر غيره سُمّاً صِرْفاً أو مخْلُوطاً، وهو مما يقتل غالباً موجباً أو غير موح، فمات، لَزِمَه القصاص، وإن كان لا يقتل غالباً، وقد يقتل، فهو شبه عمْدٍ لا يتعلَّق به القِصَاص، لكن لو كان المُوجَرُ ضعيفاً لمرض أو غيره ومثْلُهُ يَقْتُلُ مثْلَه غالباً، وجب القصاص؛ هذا هو الظاهر المعروف.
وفي كتاب القاضي ابن كج قوْلٌ أن السمَّ، وإن كان مما لا يَقْتل غالباً، فإذا مات الموجَرُ به، وجب القِصاص؛ لأن السموم لها نكايات في الباطن؛ كالجراحات، فالموت به كالموت بالجراحة الخفيفة التي لا تَقْتل غالباً.
ولو قال الموجِر: الذي أوجرته كان ممَّا لا يقتل غالباً، ونازعه الوليُّ، فالقول