والثانية: أن يُفْقَدَ المعنيان؛ بأن لا يكون السبب مهلكاً، ويكون الدفع موثوقاً به، كما إذا تَرَكَ المحبُوس تناوُلَ الطَّعَامِ الحاضرِ أو قَصَدَه فلم يَعْصِب العرق، حتى مات أو ألقاه في ماء قليل، فلم يَخْرُجْ، فلا قصاص.
والثالثة: أن يكون السَّبب مهلكاً، والدفْعُ سهلاً موثوقاً به، كما إذا ألقاه في ماءٍ مُغْرِقٍ، أو نارٍ، فلم يخرج مع سهولته، ففيه الخلاف.
وقوله: "حتى نزف الدم" يجوز نَزَفَ، ونُزِفَ، ويقال: الدم نَزَفَ الدم يَنْزِفُ، إذا خرج منْه دمٌ كثيرٌ، حتى ضَعُف، ونزف دمه وعقْلُه، ويقال نَزَفَتِ البئْرُ، إذا أخرجت ماءها كُلَّهُ، ونزفت تتعدى ولا يتعدى.
وقوله: "رُبَّمَا يُدْهَش" أو يدهش يقال دَهِشَ دَهَشاً، إذا تحيَّر ودُهِشَ يُدْهَشُ على ما لم يُسَمَّ فاعله.
وقوله: "فلم يسبح، فوجهان" يعني في القصاص، وإن كان الخلاف جَارِياً في الدية، على ما بيناه؛ لأن المذكور في الصورةِ السابقةِ القِصَاصُ، حيث قال: "فَلاَ قصاص" ولأنه أورد الخلاف في "الوسيط" في الدية، ثم رتَّبَ عليه الخِلاَفَ في القصاص.
وقوله: "فالظاهر وجوب القصاص" اختيارٌ للوجهِ المحكيِّ عن القفَّال -رحمه الله-، والراجح عند أكثرهم المَنْعُ على ما بيَّن.
فَرْعٌ: قال الملقى: كان يمكنه الخروجُ مما ألقيته فيه من الماء أو النارِ، فقصر، وقال الوليُّ: لم يمكنه، فالمُصدَّق بيمينه المُلْقِي؛ لأن الأصل براءة ذمته أو الوليُّ؛ لأن الظاهِرَ أنَّه لو أمكنه الخروج لخرج فيه وجهان (1)، ويقال قولان:
آخَرُ كتَّفَه وطَرَحَه على السَّاحل، فزاد الماءُ وهَلَكَ، إن كان في موضع يُعْلَم بزيادة الماء فيه، كالمد بالبَصْرة، وجب القَود، وإن كان قد يَزيد وقد لا يزيد، فهو شبه عمد، وإن كان بحيث لا يتوقَّع الزيادة، فاتفق سيلٌ نادرٌ، فهو خطأ محْضٌ (2).
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي اجْتِمَاعِ السَّبَبِ وَالمُبَاشَرَةِ أمَّا الشَّرْطُ فَلاَ يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ مَعَ المُبَاشَرَةِ كَالمُمْسِكِ مَعَ القَاتِلِ وَالحَافِرِ مَعَ المُرْدِي، وَأَمَّا المُبَاشَرَةُ وَالسَّبَبُ فَعَلَى مَرَاتِبٍ: الأُولَى أَنْ يَغْلِبَ السَّبَبُ المُبَاشَرَةَ وَهُوَ إِذَا لَمْ تَكُنِ المُبَاشَرَةُ عُدْوَاناً كقَتْلِ القَاضِي وَالجَلاَّدِ مَعَ شَهَادَةِ الزُّورِ فَالقِصَاصُ عَلَى الشُّهُودِ.