وقوله في الكتاب: "فلو رمى إلى مرْتَدٍّ كان الأَوْلَى أن يقول: "إلى عَبْدِهِ" فإنه المقصود كما ذكر في صورة الجُرْح، "وَلَوْ جَرَحَ عَبْدَ نَفْسِهِ" فأما إذا جرح عبْد الغَيْر أو رمى إلَيْه ثم عَتَقَ، فليس ذلك من صُوَرِ هذه الحالة.
وقوله: "ثم طرأَتْ هذه الأحوال ذكر لفظ "الأحوال" بالجمع، والمذكور من قبل ما إذا طرأ الإسْلام أو العِتْق لا غير، فلو قال: "ثم طرأ ما ذكرنا أو طرأت الحالتان" لكان أوضَحَ على أن الأمر فيه هَيِّنٌ.
الرابعة: إذا قلْنا بوجوب الضمان فيما إذا جرح حربيّاً فأسْلَم، ثم مات، وفيما إذا جَرَحَ عبْدَ نفْسِهِ، ثم أعتقه، فمات، فالواجب ديةُ حُرٍّ مسلِمٍ، وكذلك في مثلهما من صورة الرمي ثم الذي رأَى الإمامُ القطْعَ به، وجرى عليه صاحب الكتاب: أن الديةَ فيما إذا طرأ الإسلاَم أو العِتْق بعْد الجرح تَكُون مخفَّفةٌ مضروبة على العَاقِلة، وتكون الجناية ملْحَقَةٌ فالخطأ المحْضِ منزلة منزلة ما إذا رَمَى إلى صَيْدٍ، فأصاب إنساناً، ويكون عروض عصمة الإِسلام، كاعتراض الآدمي في مورد السَّهْم إلى الصيْد، فأما إذا طرأ الإسْلام أو العِتْق بعْد الرمْيِ، ففي كيفية الدِّيَة الواجبة الخلافُ المذكورُ في "كتاب الديات" (1).
قَالَ الْغَزَالِي
ُّ: الحَالَةُ الثَّانِيَةُ أنْ يَطْرَأَ المُهْدِرُ كَمَا لَوْ جَرَحَ مسْلِماً فَارْتَدَّ وَمَاتَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ أرْشُ الجِنَايَةِ لِأَنَّ السَّرَايَةَ مُهْدَرَةٌ، وَلوَليَّهِ المُسْلِمِ القِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ أوْلَى بِالتَّشَفِّي مِنَ الإِمَامِ، وَقِيلَ: الاِمَامُ أوْلَى بِهِ لِأَنَّ المُرْتَدَّ لاَ يُورَثُ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَارْتَدَّ وَمَاتَ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لوْ مَاتَ مُسْلِمَاً، وَقِيلَ: دِيَتَانِ لِأنَّا لَوْ أَدْرَجْنَا لَأَهْدَرْنَا، وَقِيلَ: لاَ شَيْءَ لِأَنَّ القَطْعَ صَارَ قَتْلاً وَصَارَ مُهْدِراً.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا جرَح مسلماً، فارتد، ثم مات بالسراية أو ذميّاً، فنقض العَهْد، ثم مات، لم يجبْ قصاص النفْسِ ولا ديتها ولا الكفَّارة؛ لأنها تلفت وهي مُهْدَرةٌ، وأما ما يتعلَّق بالجراحة ففيه مسألتان:
إحداهما: إذا كانَتِ الجراحةُ منْ جنْس ما يوجب القصاصَ كالمُوَضَّحة وقَطْع اليد، فالنصُّ في "المختَصَر" أنه يجب فيه القِصَاص، وعن نصه في "الأم" أنَّه لا يجبُ فمِنْهُم مَنْ نقله في عيْن هذه الصورة، ومنْهم مَنْ رَوَى أنَّ ذلك النصَّ فيما إذا قطع ذميٌّ يدَ مستأمَنٍ، ثم لحِقَ المستأمَنُ بدار الحربِ، ومات، قال: لا قصاص عليه في القطْع؛