وكيف يقيمها؟ قال ابن الصبَّاغ وغيره: يُبنى ذلك على القولَيْن فيما إذا اعترفا بأصْل السلامة، وادعى الجاني زوالَهَا فإن صدَّقْنا الجَانِيَ، فيحتاج المجني عليه إلى أن يقيم البينة عَلَى السلامة عند الجناية، ويستغْنَى عن اليمين، فإن أقامها على أنَّه كان سليماً فتسمع أيضاً، ولكن يَحْلِف مع هذه البينة لجَوَازِ حدُوث الخَلَلِ والشَّلَل.
والأصحُّ عند القاضي الرويانيِّ وغيره: أنَّه يكْفِي قولُ الشهود؛ إنه كان صحيحاً، ولا يشترط التعرض لوقْت الجناية، ويجوز الشهادةُ على سلامة العيْن، إذا رآه يتبع بصره الشيْء زماناً طويلاً ويتوقى المهالك، ولا يجوز بأن يراه وَيُتْبع بصَرَه الشيْءَ الزمانَ اليسير؛ لأن ذَلِكَ قد يوجَدُ من الأعْمَى، وكذلك تجوزُ الشهادةُ على سلامة اليد والذَّكَر برؤية الانقباضِ والانبساطِ.
والثالث: في تعليقِ الشيخِ أبي حامِدٍ وغيره: أن القَوليْن فيما إذا ادَّعى الجانِي زوالَ السلامة التي كانت منصوصان في "الأم" وذهب جماعةٌ إلى أنهما مخرَّجان من القولَيْن في "مسألة الملفوف"، وأنهما متفقان على أصْل الحياة هناك، وعَكَس الإِمام القضيَّةَ؛ فجَعَل الخلافَ في "مسألة الملفوف" مبنيّاً على الخلاف في هذه الصورة.
والرابع: إذا اختلفا في أصْل العضو، فعن بعضهم إطلاقُ الخلافِ في أن المصدَّق أيُّهما؟ واستدرك الإِمام وقال: مَنْ أنكَرَ أصل العضو أنكر الجناية، فيقطع بتصديقه وإنما موضع الخلاف ما إذا اتفقا على أصْل العضْو والجناية عليه، واختلفا في حال العضْو صحةً وشللاً وعمًى وإبصاراً، ومِنْ هذا القبيل ما إذا قَطَع الكف، واختلفا في نقصان أصبع، وليس منه ما إذا ادَّعَى المجنيُّ عليه أنهُ قطَعَ الذَّكَر والأنثييْن، وقال الجاني: لم أقطَعْ إلا أحدهما؛ لأن الأصبع جزءٌ من العضْو الذي وردَتِ الجناية عليه، وقطْع الكفِّ قَطْع الأصبع، بخلاف الذَّكَر والأنثيين.
ومنها: لو قطَع يدَيْه ورجلَيْه، فمات، واختلف الجاني والوليُّ، فقال الجاني: مات بالسراية، فعلَّى دية، وقال الوليُّ: بل مات بعد الاندمال، فعليك ديتان فيُنْظَر؛ إن لم يمكنْ الاندمال في مثل تلْك المدة؛ لقصر الزمان؛ كيوم ويومين، فالقولُ قول الجانِي بلا يمين، وفي تعليق الشيخ أبي حامد: أنه يحْلِف؛ لجواز أن يكون الموت بسببٍ حادثٍ؛ كَلسْعِ حَيَّةٍ، وشُرْبِ سُمٍّ مذفَّفٍ، ولم يستحسن ما ذكره؛ لأن تنازعهما في الاندمال والسبب الآخر لم يَجْرِ له ذكْرٌ، حتى ينفي، وإنما يجري التحليف بحسب الدعْوَى والإنكار، وإن أمكن الاندمال في تلْك المدَّة، فقد فصل فيه تفصيلان:
أحدهما: ذكر جماعة، منْهم ابن الصباغ والقاضي الرويانيُّ: أنه، إن مضتْ مدَّةٌ طويلةٌ لا يمكن أن تبقى الجراحةُ فيها غير مندملة، فالقول قول الوليِّ بلا يمين، وإن أمكن الاندمال وعدمه في تلْك المدة، فالقول قوله مع اليمين، ويشبه أن يقالَ: ليس