القرعة إلى إذْن الآخرين؛ لأن القصاص مبنيٌّ على الإبراء (1) والإسقاط ولبعضهم تأخيره كإسقاطه، والنكاحُ لا يجوز تأخيرُهُ حتى أنهم لو امتنعوا جميعاً من التزويج، وعَضَلُوا، يزوِّج القاضي، هذا هو الأظهر، ويُحْكَى عن القفَّال بناءً عليه: أنه لا يُقْرع بينهم في الابتداء، إلا بإذنهم، بخلاف القرعة في القسمة، والقُرْعة بين الأولياء.
وروى الإِمام وغيره وجهاً: أنه لا حاجةَ بعد خروج القرعة إلى إذْنِ الباقين؛ لتظهر فائدة القرعة وإلاّ فاتفاقهم على واحِدٍ مغن عن القرعة، ولا شك في أنه لو منع أحدُهم من خرجَتْ له القرعة من الاستيفاء، لم يكن له الاستيفاء، وهل يدْخُل في القُرْعة مَن يعْجز عن الاستيفاء؛ كالشيوخ والصبيان والنسوة؟ فيه وجهان، وقال القاضي ابن كج وأبو الفرج الزاز: أيضاً قولان:
أحدهما: نعم؛ لأنه صاحبُ حقٍّ، فإن خرجَتْ له القرعة استناب من يقدر عليه. والثاني: لا لأنه ليس أهلاً للاستيفاء والقرعة إنما تَجْرِي بين المستوين في الأهلية، والأرجحُ الأول عند صاحب "التهذيب".
والثاني: عند القاضي ابن كج وأبي الفرج، والإمام وغيرهم وعن بعض الأصحاب: طريقةٌ قاطعةٌ به، وإذا قلْنا: لا يدخل العاجزُ في القُرْعة، فلو خرجَتْ لقادرٍ، فعجز، أُعِيدت القرعةُ بين الباقين، وإن قلْنا: يدخل، فلا يعاد ولكن يستنيب.
وقوله في الكتاب: "فإن كان القتيل واحداً" بين به أن الذي نذكره الآن فيما إذا لم يَزْدَحِم على القاتل أولياء قتيلَيْنِ أو قَتْلَى، فأما إذا قتل اثنين فصاعداً وأرادَ وَليُّ كلِّ قتيل قتْلَه به، فسيأتي إن شاء الله تعالى مِنْ بَعْدُ.
وقوله: "فهو لكل الورثة" معلم بالميم والواو.
وقوله: "انتظر تكليفه" بالحاء والميم والألف.
وقوله: "فإن تزاحموا أُقْرعَ بينهم" أي تزاحموا على الاستيفاء، والمقصود ما إذا استحَقُّوا القصاص في النفْس بضَرْب الرقبة، وأما في قصاص الطَّرَف، وقصاص النفْس المستحَقِّ بقَطْع الطَّرَف ونحوه، فسيأتي إن شاء الله تعالى.
وقوله: "فلغيره منعه مِنْ أصْل الاستيفاء" أشار بهذه اللفْظة إلى أنَّه ليْسَ له أن يقول لا تستوفي ولكن نقول: لا تستوفِ، وأنا لا أستوفِي أيضاً.
وقوله: "ويدخل في القرعة" إلى آخره يصح إعْلاَمُهُ بالواو؛ بطريقة مَنْ قال: "لا يدخل بلا خلاف".