والتخفيف على مرتبة (1) متوسِّطة بين العَمْد والخطأ.
وفي الفصل صورتان، و قد سبق أصلهما، والغَرَضُ الآن الكلام في أنَّ الدية إن وجبت فيهما (2)، فمن أي قبيل هي؟
إحداها: إذا قَتَل في دار الحرب مسلماً وجدُوه على زَيِّ الكُفَّار، وظنَّه كافراً، فقد سبق أن في وجوب الدِّيَةِ فيه قولين:
أصحُّهما: المنع، وإذا قيل: بوجوبها، فمحصول المَنْقُول في كيفيتها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الدية الواجبة دِيَةُ العَمْد؛ لأنه قتله متعمداً
والثاني: دية شبه العَمْدِ؛ لأنه، وإن تعمد القَتْل، لم يقصد قتل المسلم، فأشبه ما إذا ضربه بما لا يَقْتُلُ غالباً.
والثالث: دية الخَطَأ المَحْضِ؛ لأنه معذور في القَتْل، جاهلٌ بالحال.
والثانية: إذا رمى إلى مرتد أو حربي، فأسلم، ثم أصابه السَّهم ومات، ففي وجوب الدية خلاف قَدَّمناه، والأصح وجوبها، وفي كيفيتها الوجوه الثلاثة، وهذه الصُّورة أولى بأن تلحق بالخطأ؛ لأنه لم يكن معصوماً عند الرمي، ويشبه أن يكون هو الأظهر لما ذكرنا أن الإِمام رأى القطع به فيما إذا جرح مرتداً أو حربياً فأسلم ثم مات، لكن في كتاب القاضي ابن كج أنَّه إذا أصاب سهمه من أسلم وكان مرتداً عند الرمي، لم يكن قصد إلى رميه تكون الدية في ماله لا على عاقلته؛ لأنهم يقولون: إنك لما أرسلت السَّهْم كان المرميُّ مُهْدراً، لا يلزمنا في قَتْلِهِ شيْء، ومن نُوجَب الدِّية في ماله، إذا لم يقْصِد الرمي إليه، فأولى أن نوجبها في ماله إذا قصد، ولو رمى إلى شخص (3) ظنه شَجَراً أو ظَبْية، وكان إنساناً، فالظاهر، وبه قطع الشيخ أبو محمد: أنَّه خطأ مَحْض، كما لو رمى إلى سعيد، فعرض في الطريق إنسان، أو مرق (4) منه فأصاب إنساناً، وقربه الإِمام من مسألة الرُّمْي إلى من ظنه كافراً في دار الحرب فكان (5) مسلماً، تنزيلاً لظنْ كونه شجراً منزلة ظن كَون الرجل حَرْبياً، ويوافق هذا لفظ الكتاب حيث قال: "ويجري هذا الخلاف في كل قَتلٍ عمد مَحْض صدر عن ظن في حال القَتْل".
قال الغَزَالِيُّ: وَالدِّيَةُ يَتَغَلَّظُ فِي العَمْدِ مِن ثَلاثَةِ أَوْجُهِ: التَّخْصِيصُ بِالجَانِي وَالتَّعْجِيلُ والتَّثْلِيثُ، وَهُوَ أنْ يَكُونَ ثَلاثُونَ حِقَّةً وَثَلاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونِهَا