يقتضيه التّقسيط؛ لأنه وجد بسبب كلّ واحد منهما فيعتبر الأكثر كما سَيَأتي في قَطْع بعض اللسان، وذهاب بعض الكلام.
وعن الشيخ أبي محمد أن الخلاف في أن الواجب في المُتَلاَحِمَةِ الحكومة، أو يقدر أَرْشُهَا بالنسبة إلى العُمْق مبني على الخلاف الذي تقدّم في أنه هل يجب في المُتَلاَحمة القصاص؟ هذا الكلام في الجراحات على الوجه والرأس.
وأما الجراحات على سائر البَدَنِ فليس في إيضاح عِظَامه، ولا هَشْمها ولا في النَّقْل أرش مقدر، ووجهوه أن الأخبار الواردة كالموضّحة والهَاشِمة والمُنَقّلة لا يتناولها من جِهَةِ اللَّفْظ لاختصاص هذه الأشياء بجراحات الرأس والوجه، كاختصاص اسم الشِّجَاج، وليست هي في معانيها (1)؛ لأن الخوف والخَطَر في جراحات الرأس والوجه أعظم والشَّيْن فيها أشدّ تاثيراً لوقوع النظر عليهما، وتعلّق الجَمَال بهما، وأيضاً فأرش نفس العضو لا ينبغي أن ينقص عن أرش الجناية على العضو، وليس في الأُنْمُلَة الواحدة إلا ثلاثة أبْعِرَة وثلث، فكيف نوجب في إيضاح عظمها خمساً من الإبل؟
القسم الثاني: من الجراحات الجَائِفة، ففيها ثلث الدية لما روي في كتاب عمرو بن حزم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أنَّ فِي الجَائِفَةِ ثُلَثَ الدِّيَةِ". وعن رواية عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مثله، والجائفة الجِرَاحة الوَاصِلَة إلى الجَوْف كالمأمومة الواصلة إلى أم الدِّمَاغ، وكذا الجراحة الواصلة إلى الجوف من البَطْن، أو الصدر، أو ثغرة النحر، أو الجنينِ، أو الخَاصِرة أو الورك أو من العجان إلى داخل الشرج والعجان هو ما بين الخصية والفَتْحة، وكذا الجراحة النَافِذَة إلى الحَلق من القَفَا أو الجانب المقبل (2) من الرَّقَبة، والنَّافذة إلى (3) المَثَانة (4) من العانة، وفي النّافذة إلى مَمَّر البَوْل من الذَّكَر وجهان:
أحدهما: أنها جائفة لحصولها من الظَّاهر والباطن.
وأظهرهما: المنع؛ لأنه لا يعدّ من الأجواف، وليس فيه قوة تحيل الغذاء والدواء، وإنما يقدر الأرش في الجِرَاحَةِ الوَاصلة إلى الجوف الذي فيه هذه القوة لزيادة الخَطَر فيها, ولو نفذت الجراحة إلى داخل الفَمِ بهشم الخَدّ أو اللّحى، أو بخرق الشَّفة، أو الشّدق، أو إلى داخل الأنف بهشم القّصَبة، أو بخرق المَارِن، فهل هي جائفة؟ فيه قولان، ويقال: وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأنها جراحة وصلت إلى الباطن من الظَّاهر، فأشبهت الجراحة الواصلة إلى جوف الرأس والبطن.