بَصَره؛ وكذلك الأخْفش. وقوله: "ومَنْ في حدَقَتِهِ بياضٌ لا يَمْنَعُ أَصْلَ البَصَرِ" ظاهره وجوبُ الدية، ما دام يبصر شيئًا، وإن ضعف بصره، ونقص ضوْءه، لكن ذكرنا في فَقْء العين التي فيها بياضٌ؛ أنه إن لم ينقص الضوء، يجب فيه الدية، وإن نقص، فلا تكمل الدية، فليكن في إذهاب ضوء العين، وفيها بيضٌ، مثلُ هذا التفصيل.
" فَرْعٌ"لو شَخَصَتْ عينه بالجناية أو صار أعمش أو أحول، فالواجب على الجانِي الحكومةُ.
آخرُ: إذا أذهب ضوء عينه، وجاء آخر، وقلع الحَدَقة، ثم قال الأول: قُلِعَت بعد عود الضوء وقال الثاني: بل قبله، فالقول قول الثاني (1) ولو صَدَّق المجنيُّ علَيْه الأوَّلَ، ترتَّب في ذمَّة الأوَّل عن الدية، ولا يُقْبَل قوله على الثاني، بل يحلف، وعليه الحكومة.
قال الغَزَالِيُّ: الرَّابِعَةُ: الشَّمُّ وَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَيُمْتَحَنُ بالرَّوائِحَ الكَرِيهَةِ الحَادَّةِ، وَعنْدَ النُّقْصَانِ يُحَلَّفُ لِعُسْرِ الامْتِحَانِ، وَقِيلَ فِي الشَّمِّ حُكُومَةٌ لأنَّهُ ضَعِيفُ النَّفْعِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: في إزالة الشمِّ بالجناية على الرأس وغيره وجهان، عن رواية صاحبُ "التقريب"، وقولان فيما رواه منصور التَّمِيمِيُّ:
أحدهما: أنَّ الواجبَ فيه الحكومةُ، دون الدية؛ لأن الشمَّ ضعيفُ النفعِ؛ فإن منفعته إدراك الروائح، والأنتان أكثر من الطيبات، فيكون التأذِّي أكْثَرَ من التلذُّذ.
وأصحُّهما: وجوب الدية؛ لما روي في كتاب عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "وَفِي الشَّمِّ الدِّيَةُ" ولأنَّ الشم حاسَّة من الحواسِّ التي هي طلائعُ البدنِ فأشبهَتْ سائرها، ولو أذهب الشمّ من أحد المَنْخِرَيْنِ، فعليه نصف الدية، ويشبه أنْ يجيء فيه الوجه المذكُور في إِبطال السمع من إِحدى الأذنين.
ولو ارتتق المنفذُ، فلم يدرك الروائح، وقال أهل البَصَر: القوة باقيةٌ؛ فليكن كما مر في السمع ولو قَطَع أنفه، فأذْهَب شمَّه، وجبَتْ ديتانِ؛ كما في السَّمع؛ لأنَّ الشمَّ لا يحلُّ الأنف، وإذا أنكر الجاني زوالَ الشمِّ، امتحن المجنيُّ عليه بتقريب مالَهُ رائحةٌ حادَّةٌ منْه طيبةٌ وخبيثةٌ، فإن هَشَّ للطيب، وتعَبَّس للنتن، صُدِّق الجاني بيمينه، وإن لم يظهر عليه أثر، صُدِّق المجني عليه بيمينه (2)، وان انتقص الشمّ، نُظِرَ؛ إن عُلِمَ قدْرُ الذاهب،