والديةُ تتوزَّع عليها (1)، فإن أبطل إِدراكَ واحدٍ منْها، فعليه خُمْسُ الدية.
ولو انتقص الإحساسَ، فَلَمْ يدركِ الطعومَ على كمالِها، فالواجبُ الحكومة، ولو اختلفا في ذهاب الذوقِ، جرب بالأشياء المرَّة المقزَّة (2)، أو الحامضة الحادَّة، فإن ظهر منه تعبُّس وكراهةٌ, صدقنا الجاني بيمينه، وإلا فنصدقه باليمين، قال في "التتمة": ولو ضربه ضربةً، أزال بها نطْقَه وذوْقَه، فعَلَيْه ديتَانِ؛ لأنهما منفعتان مقصودتان، فلا تتبع إحداهُما الأخرى؛ لأن محلهما مختلفٌ, فالنطق في اللسان، والذوقُ في طرف الحَلْقِ، والذي ذكر في "التهذيب": أنه لو قطَع لسانَهُ، وذهب ذوقه، فعليه ديتان، والمرادُ منْه هذه الصورة، والله أعلم.
قال الغَزَالِيُّ: الثَّامِنَةُ: المَضْغُ فَإذَا صَلُبَ مَغْرَسُ لَحْيَيه فَعَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَلَوْ جَنَى عَلَى سِنِّهِ فَتَعَذَّرَ المَضْغُ فَكَمَالُ الأَرْشِ، فَإنِ اسْوَدَّ وَأَمْكَنَ المَضْغُ فَحُكُومَةٌ لإِزَالَةِ الجِمَالِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: في إبطال المضغ الديةُ، وقد يحتجُّ له بأنَّ المنفعة العظْمَى للأسنان المَضْغ، والأسنان مضمونةٌ بالديةِ، فكذلك منافعُها، كالبَصَر مع العين، والبَطْش مع اليد، وذكر في الكتاب لتفويتِ المَضْغ طريقين:
أحدهما: أن تصلب مغرس اللَّحْيَيْن؛ حتى تمتنع حركتهما مجيئًا وذهاباً.
والثاني: أن يجني على الأسنان، فيصيبها خَدَرٌ، وتبطل صلاحيتهما للمضْغ (3)، وحكم بوجوب الديةِ بالطريقين، والوجوب بالجناية على السَّنِّ شائعٌ في كلام الأصحابِ، وبتصليب مغرس اللَّحْيَينِ، ذكره الفُوَرَانِيُّ، وعلى ذلك جرى الإِمام وصاحبَ الكتاب وغيرهما -رحمهم الله- وأعلم أنَّ تعذُّر المضغِ بالخَلَل الَّذي يصيب الأسنان؛ كتعذُّر البطْشِ لشَلَلِ اليدِ، والتعذُّر لتصليب المغرسِ شبه بتعذر المشي بكَسْر (4) الصلب، ويشبه أن يجيء في تكميلِ الديةِ في السِّنِّ المعطَّلة بتصليب المغرسِ الخلافُ المذكورُ في تكميل الديةِ في الرِّجْل المعطَّلة بكسر الصَّلْبِ، ولو جنى على أسنانِهِ، فاسودَّتْ، ولم تبطل منفعةُ المضغ، فلا يجب إلا الحكومة، وقد مرَّ ذلك، ويجوز أن يُعْلَم؛ لما مر قوله في الكتاب: "فحَكُومة" بالحاء والميم، والله أعلم.
قال الغَزَالِيُّ: التَّاسِعَةُ قُوَّةُ الإِمْنَاءِ والإِحْبَالِ فِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي قُوَّةِ الإِرْضَاعِ