وإلا فهو مُهْدَرٌ، وهذا أصحُّ عند صاحب "التتمة" وغيره، نَعَمْ، لو نزل الأولُ في البئْر، ولم ينصدم (1)، ثم وقع عليه الثاني، تعلَّق بوقوعه كلُّ الدية، وإن ماتَ الثاني، فإن تعمَّد إلقاءَ النَّفْس فيها، أو لم يكنِ الحَفْر عدوانًا، فهو هَدَر، وإلا تعلَّق الضمان بالحافر، وإنْ ماتا معًا، فالحكم في حقِّ كل واحد منهما (2) على ما بيَّنَّا، وإن تردَّى في البئر ثلاثةٌ، واحدٌ بعد واحدٍ، فمن قال في الصورة السابقة: إن ديةَ الأول على عاقلة الثاني، قال هاهنا دية الأولِ علَى عاقلة الثاني، والثالثُ؛ لأنه مات بوقوعهما عليه، ويحكَى هذا عن الشيخ أبي حامد، ومَنْ قال هناك: ليس على الثانِي إلاَّ النصْفُ، قال هاهنا: ليس على الثاني والثالث إلاَّ ثلثا الضمانِ، والثلُثُ الباقي (3) على الحافر إن كان متعديًا، وإلا فهو هَدَر، وينْسَبُ هذا إلى القاضي أبي الطَّيِّب (4)، واختاره ابن الصبَّاغ وقوله في الكتاب: "ولو تردَّى في بئْر، وسقَطَ عليه آخر، فضمانُهُما على عاقلة الحَافِر"، يعني: إذا ماتا، وكان الحفّر عدوانًا، فيثبت لورثة كلِّ واحد منهما مطالبةُ عاقلةِ الحافِرِ بالدية.
وقوله: "وهَلْ لورثة الأوَّل
... " إلى آخره، أراد به أن الثاني، وإن أهلك (5) الأول بوقوعه عليه، فإنه غير مختارٍ فيه، بل ألجأه الحفْرُ إليه، فهو كالمكْرَهِ على الإِتلاف، وليس للإتْلاَف (6) في صورة الترَدِّي موجبٌ سوى المال، فكان كالمكْرَهِ على إتلاف المال، وقد سبق ذكْرُ وجهين في أن المكْرَهَ على إِتلاف المال، هل يُطَالَب بالضمان، وأن القرار على المِكْرَه، وإن طولِبَ به المُكْره، وإذا كان كذلك، استقرَّ ضمان الثاني على عاقلة الحافر؛ لأنه كالمكْرَه، وفي مطالبة عاقلة الثانِي به الخلافُ في مطالبة المُكْرَه، والظاهر المطالبةُ.