والثاني: على الجميع. وقد مرَّ نظيرُهُما، وجميعُ ما ذكرنا فيما إذا وقع الثلاثةُ أو الأربعةُ بعْضُهم فوق بعض.
أما إذا كانتِ البئرُ واسعةً، وجذب بعضهم بعضًا، لكن وقع كلُّ واحد منهم في ناحية من البئر، فديةُ كلِّ مجذوبٍ على عاقلة جاذِبِه، وديةُ الأولِ عَلَى عاقلة الحافِرِ، إن كان متعديًا، ومن على عاقلة ديةُ بعضهم أو بعضُها في هذه الصورة، وجبت في ماله الكَفَّارة، ويقع النظر في أنَّها هل تتجزأ، ومَنْ أَهْدِرَ دمُه، أو شيْءٌ منه لفعْلِهِ، ففي وجوب الكفَّارة عليه الخلافُ في أن قاتِل النفْسِ، هل يلزمه الكفَّارة؟
قال الغَزَالِيُّ: الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِيما يُوجِبُ الشَّرِكَةَ كَمَا إِذَا اصْطَدَمَ حُرَّانِ وَمَاتَا فَكُلُّ وَاحِدٍ شَرِيكٌ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ وَقَتْلِ صَاحِبِهِ فَفِي تَرِكَةِ كُلِّ وَاحِدِ كَفَّارَتانِ وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَا مُتَعَمَدِّيْنِ فَهِيَ فِي تَرِكَتِهِمَا، فَإنْ كَانَا راكِبَيْنِ زَادَ فِي تُرْكَةِ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ صَاحِبِهِ، فَإنْ غَلَبَهُمَا الدَّابَّتَانِ أُهْدِرَ الهَلاَكُ عَلَى أَحَدِ القَوْلَيْنِ إِحَالَةً عَلَى الدَّوَابِّ، وَفِي الثَّاني يُحَالُ عَلَى رُكُوبِهِمَا، فَإِنْ كَانَا صَبِيَّيْنِ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ مُتَعَدِّيًا فَحَوالَةُ الكُلِّ عَلَى الأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ أَرْكَبَهُمَا الوَلِيُّ فَلا حَوَالَةَ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ كَرُكُوبِ الصَّبِيَّيْنِ بِنَفْسِهِمَا، وَإِنْ أَرْكَبَ الوَلِيُّ لِأَجْلِ زِينَةٍ لاَ حَاجَةٍ فَفِي تَقْيِيدِهِ بِشَرْطِ سَلامَةِ العَاقِبَةِ فِي حَقِّ الوَلِيِّ وَجْهَانِ.
قَالَ الرَّافِعِيّ: غرضُ الطرفِ الكلامُ في الاصطدامِ وما يناسبه، وفيه مسائل:
الأولى: إذا اصطدم ماشيانِ، فوقَعَا، وماتا، فكلُّ واحدٍ منهما ماتَ بفعْله وفعْل صاحبه، فهو شريكٌ في القتلين، فيكونِ فعْلُه هدرًا في حقِّ نفسه، ومضمونًا في حقِّ صاحبه؛ كما لو جرح نفسه، وجَرَحَه غيرُهُ، ومات من الجراحَتَيْنِ، يسقطُ نصف الدية، ويجبُ على ذلك الغَيْر نصفها، وإذا تحقَّق ذلك، فعَلَى كلِّ واحد منهما كفَّارةٌ لقتلِ الآخر، إن قلنا: إن الكفارةَ لا تتجزأ، ونِصْف كَفَّارَةٍ، إن قلنا: إنَّها تتجزأ، ثم إن لم نوجب الكفَّارة على قاتل النفس، لم يلزم واحدٌ منهما بشركتة في قتل نفسه كفارةٌ، وإن أوجبنا، فيعود الخلافُ في التجزؤ، والصحيحُ: أن الكفَّارة لا تتجزأ، وأنَّ قاتل النفس يلزمه الكفَّارة على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، والمسألتان في باب الكفَّارة.
وقوله هاهنا: "ففي تركةِ كلِّ واحدٍ كفَّارَتان"؛ اقتصارًا على الصحيحِ في المسألتَيْن، ويجوز أن يُعْلَم بالواو.
وأمَّا الديةُ، فيجب نصف ديةِ كلِّ واحد منهما، ويسقط نصفُ الديةِ بفعْله؛ لِمَا ذكَرْنا، وبه قال مالك، وقال أبو حنيفةَ، وأحمدُ: يجبُ لكل واحد منهما كمالُ ديته.