فعليه الأَقَلُّ من نِصْفِ الدِّيَةِ، وكمال قيمة العَبْدِ، ويجب في مَالِ الجَانِي نِصْفُ الدية، وذلك لأن السِّرَايَةَ حصلت بعد العِتْقِ بِجِنَايَةٍ كانت في الرق.
قال صاحب "التهذيب": ويجيء وَجْهٌ آخر أن السَّيِّدَ يَفْدِي بالأَقَلِّ من كَمَالِ الدية، وكمال القيمة؛ لأن الجِنَايَةَ وُجِدَتْ في الرِّقِّ.
ومنها: لو رمى ذمِّيٌّ إلى صَيدٍ، فأسلم، ثم أصاب إنْسَاناً، فالدِّيَةُ في ماله لا تُضْرَبُ على عَاقِلَتِهِ الذميين، ولا على عَاقِلَتِهِ المسلمين.
أما الذِّمِّيُّونَ؛ فلأنهم لم يكونوا عَاقِلَتَهُ عند الإصابة، وأما المسلمون فلأنهم لم يكونوا عاقلَتَهُ عند الرَّمْيِ، وإنما يَتَحَمَّلُ من يكون عاقِلَتَهُ في الحالين.
ولو رمى يَهُودِيٌّ إلى صَيْدٍ، ثم تَنَصَّرَ أو تَمَجَّسَ، ثم أصاب السَّهْمُ إنساناً، قال الأئمة: إن قلنا: لا يقر عليه، فهو مُرْتَدٌّ لا عَاقِلَةَ له، فتكون الدِّيَةُ في ماله.
وإن قلنا: يقر تكون الدِّيَةُ على عاقلتَهُ على أي دِينٍ كانوا؛ لأن الكُفْرَ كله مِلَّةٌ واحدة، ولكن يَحْمِلُ بَعْضُهُمْ عن بعض على خِلاَفٍ سنذكره.
ولو جرح ذِمِّيٌّ إنساناً خَطَأً، وأسلم الجَارحُ، ثم مات المَجْرُوحُ، فَأَرْشُ الجِرَاحَةِ على عاقلته الذِّمِّيِّينَ، والباقي في مَالِهِ، فإن زَادَ أرْشُ الجِرَاحَةِ على دية النَّفْسِ بأن قطع يَدَيْه ورجليه، فالواجب هو دِيَةُ النفس على عَاقلَتِهِ الذميين، هكذا ذكره ابن الحَدَّادِ، وساعده أكثرهم.
وفيه وجه آخر أن ما زادَ بالسِّرَايَة وأرْشِ الجراحة كله على عاقلته الذميين (1)؛ اعْتِباراً بحالة الجناية وهذا ما أوْرَدَهُ صاحب "المهذب"، وربما بني الخلاف على الخِلاَفِ فيما إذا جرح ذِمِّيٌّ ذِمِّياً، ثم أسلم الجَارحُ، ومات المَجْرُوحُ، هل بقتصُّ (2) منه؟ إن قلنا: نعم؛ اعتباراً بحالة الجَرْحِ، فجميع الدِّيَة عليهم.
وإن قلنا: لا نقتصُّ (3) لم يلزمهم كَمَالُ الدية، والوَجْهُ مَجِيءُ الوجه المذكور ههنا في مسألة الكتاب.
ولو عاد بعد الإسْلاَم، وجنى على المَجْنِي عليه جِنَايَةً أخرى خَطَأً، ومات منهما، فَنِصْفُ الدِّيَةِ على عَاقِلَتهِ المسلمين، وأما عاقلته الذِّمِّيُّون فإن كان أَرْشُ الجراحة نِصْفَ الدِّيَة أو أكثر، فعليهم النِّصْفُ أيضاً، وإن كان أقل بأن كان قد أَوْضَحَ رَأْسَهُ، أو قطع أُصْبُعاً من أَصَابِعِهِ، فَأرْشُ الجِرَاحَةِ على عاقلته الذميين، وما زاد إلى تمام النِّصْفِ على