وَتَتَأجَّلُ الدية عليه تأَجُّلَهَا على العاقلة، إلا أنه يُؤْخَذُ منه ثُلُثُ الدِّيَةِ عند انْقِرَاضِ السَّنَةِ الأولى، وكل واحد من العَاقِلَةِ لا يطالب إلا بنصف أو ربع، وهل يَحِلُّ الأَجَلُ عليه إذا مات؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأن الأَجَلَ يُلَازِمُ دِيَةَ الخَطَأِ شَرْعاً.
وأظهرهما: نعم، كسائر الدُّيُونِ المُؤَجَّلَةِ، وليس كما لو مات وَاحِدٌ من العَاقِلَةِ من خلال الحَوْلِ لا يؤخذ من تَرِكَتِهِ شَيْءٌ؛ لأن الوُجُوبَ على العَاقِلَةِ سَبِيلُهُ سَبِيلُ المُوَاسَاةِ، والوجوب على الجَانِي هاهنا لِصِيَانَةِ الحَقِّ عن التعطيل، فلا يمكن المَصِيرُ إلى السُّقُوطِ.
وإذا مات مُعْسِراً قال صاحب "التهذيب": يحتمل أن تُؤْخَذَ الدِّيَةُ من بيت المَالِ، كمن لا عَاقِلَةَ له، ويحتمل ألاَّ تُؤْخَذُ كما لو كان مُعْسِراً، وهو حَيٌّ.
ولو غُرَّمَ الجاني، ثم اعترفت العَاقِلَةُ، فإن قلنا: الوُجُوبُ يُلَاقِي الجَانِي، والعَاقِلَةُ محتملة، فلا يَرُدُّ الوَليُّ ما أخَذَ، ويرجع الجاني على العاقلة.
وإن قلنا: هي على العَاقِلَةِ ابتداء، يَرُدُّ الوَلِيُّ ما أَخَذَ، وَيبْتَدِئُ بِمُطَالَبَةِ العاقلة (1).
وفي "التهذيب" أنه إذا ادُّعِيَ على رجل قَتْلُ خَطَأٍ أو شِبْهِ عَمْدٍ، ولا بَيَّنَةَ، ونَكَلَ المُدَّعَى عَلَيْهِ عن اليمين، فحلف المُدَّعي فإن جعلنا اليَمِينَ المَرْدُودَةَ كإقرار المُدَّعَى عَلَيْهِ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ على المدعى عليه، إن كذبت العَاقِلَةُ المُدَّعي.
وإن قلنا: إنه كالبَيِّنَةِ، فالدِّيَةُ على العَاقِلَةِ، أو على المُدَّعَى عَلَيْهِ؛ ذَهَاباً إلى أنها وإن جُعِلَتْ كالبَيِّنَةِ، فإنما تجعل كالبَيِّنَةِ في حَقِّ المُتَدَاعِيَيْنِ دون غيرهما فيه وجهان (2).
وقوله في الكتاب: "فإن لم يكن عَصَبَةٌ أخذنا بَقِيَّةَ الوَاجِبِ" أي: لم يكن عَصَبَةٌ سوى المَذْكُورِين، وإن قدر أن المُرَادَ ما إذا لم يكن للجاني عَصَبَةٌ أصلاً، لم يكن للفظ البَقِيَّةِ مَعْنى، فَإِنَّا حينئذ نَأْخُذُ جَمِيعَ الوَاجِبِ من بيت المَالِ.