تكون كَنَفْسٍ واحدة في المُدَّةِ، كما أنها ليست كَنَفْسٍ واحدة في البَدَلِ.
وقوله: "كَنَفْسِهِ" مُعْلَمٌ بالواو، وكذا قوله: "في سَنَتَيْنِ".
وقوله: "لعدم النَّفْسِ ونُقْصَانِ القَدْرِ" معناه ما مَرَّ أن التَّأْجِيلَ في ثلاث سنين يراعى (1) فيه العَدَدُ، أو كَوْنُ الواجب بَدَلَ النفس، ويستمر على المعْنَيَيْنِ بألاَّ يُؤَجَّلَ بَدَلُ اليد الواحدة ثلاث سنين. وقوله: "فهو كَقَتْلِ نَفْس" أي: في مَجِيءِ الوجهين في أنه يضرب في ثلاث سنين، أو في سِتٍّ.
قال الإِمام: وهذه الصُّورَةُ تُشْبَهُ من وَجْهٍ قَتْلَ نَفْسَيْنِ لوجوب دِيَتَيْنِ، ومن وجه تُفَارقُهُ؛ لأن كل نفس مُمَيَّزةٌ عن غيرها، وبَدَلُ اليَدَيْنِ والرجلين، وإن بلغ قَدْرَ ديتين، فهو مُتَعَلَّقٌ بشخص واحد.
قال الغَزَالِيُّ: وَمَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالنَّظَرُ إِلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَالغَائِبُ هَلْ يَلْتَحِقُ بِالْمَعْدُومِ فِيهِ قَوْلاَنِ وَنعْنِي بِهِ غَيْبَةَ تَمْنَعُ التَّحْصِيلَ في سَنَةٍ، وَأَوَّلُ الحَوْلِ يُحْسَبُ مِنْ وَقْتِ الرَّفْعِ إلَى القَاضِي سَوَاءَ شَعَرَ بِهِ العَاقِلَةُ أَوْ لَمْ تَشْعُرْ، لاَ مِنْ وَقْتِ الجِنَايَةِ، وَلَوْ سَرَتْ الجِنَايَةُ بَعْدَ الدَّفْعِ فَحَوْلَ أَرِشْ السِّرَايَةَ مِنْ وَقْتِ السِّرَايَةَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه ثَلَاثُ مسائل:
إحداها: إذا مات في أَثْنَاءِ السَّنَةِ بَعْضُ العَاقِلَةِ، لم يؤخذ من تَرِكَتِهِ شيء؛ اعتباراً بآخِرِ الحَوْلِ كالزَّكَاةِ، بخلف ما إذا مات الذِّمِّيُّ في خلال الحَوْلِ، هل يجب قِسْطُ ما مَضَى من الجِزْيَةِ؟ فيه خلاف. والفرق أن الجِزيَةَ كالأُجْرَةِ بدار الإِسْلاَمِ على ما سَنُبَيِّن في مَوْضِعِهِ إن شاء الله تعالى.
وههنا مُبَاحَثَةٌ للإمام قال: لا يمكن أن يقال: حِصَّةُ الحَوْلِ من الدِّيَةِ لا تجب إلا من آخر الحَوْلِ؛ لأن مُوجِبَ الدِّيَةِ القَتْلُ، وأنه مُتَقَدِّمٌ، ولو كانت وَاجِبَةً على العاقلة، وكان ضَرْبُ الأَجَل للتخفيف، وجب ألا يسقط بالموت، وأن يَحِلَّ الأَجَلُ، كما في سائر الدُّيُونِ، فيشبه أن يقال: الدِّيَةُ وَاجِبَةٌ في الحال، ولكن لا يُضَافُ وُجُوبُهَا إلى العَاقِلَةِ على التَّعْيِينِ، بل ينظر إلى آخر الحَوْلِ، فإن كانوا بِصِفَةِ التَّحَمُّلِ تَبَّينَ أن الوجوب عليهم، وإلا تَبَيَّنَ تَعَلُّقُ الوجوب بِبَيْتِ المال، أو الجاني، إذا لم يكن في بيت المال قال، ولو مات بعض العَاقِلَةِ بعد تَمَامِ الحَوْلِ، مع كونه بصفة التَّحَمُّلِ لم يسقط ما وَجَبَ عليه، واستوفى من تَرِكَتِهِ، كما في سائر الدُّيُونِ.