وقوله: "شعر به العَاقِلَةُ أو لم يشعر" قد يفهم أن المُرَادَ من الرفع مُجَرَّدُ انتهاء الحَالِ إلى القاضي، كما يفعله طَالِبُ الشُّفْعَةِ، والرَّادُ بالعَيْبِ.
فأما الحكم عليهم بالدِّيَةِ، فلا يكون دون إحْضَارِهِمْ، وشعورهم، إلا أن يَفْرِضَ غَيْبَتَهُمْ. فأما الواجب في الجِنَايَةِ على ما دون النَّفْسِ، فإن لم تَسْرِ من عُضْوٍ إلى عُضْوٍ، وانْدَمَلَتْ، فابتداء المُدَّةِ من وقت الجِنَايَةِ؛ لأن الوُجُوبَ يَتَعلَّقُ بها، وبالانْدِمَالِ يَتَبيَّنُ اسْتِقْرَارُهَا.
قال الإمامُ: ولا يعتبر انْدِمَالُ الجِرَاحَةِ، وإن كُنَّا قد نقول: لا مُطَالَبَةَ (1) بالدِّيَةِ قبل الانْدِمَالِ؛ لأن التَّوَقُّفَ في المُطَالَبَةِ؛ ليتبين مُنْتَهَى الجِرَاحَةِ (2)، وابْتِدَاءُ المدة ليس وَقْتَ طَلَبٍ، فلا (3) يقاس صَرْفُ المدة بالمُطَالَبَةِ، فإن انقضت سَنَةٌ، والجِرَاحَةُ لم تَنْدَمِلْ بَعْدُ، ففي مُطَالَبَةِ العَاقِلَةِ الخِلاَفُ في مُطَالَبَةِ الجاني، إذا كان عَامِداً.
وفي "جَمْعِ الجوامع" للروياني أن أبا الفيَّاضِ ذَهَبَ إلى احْتِسَاب المدة من وَقْتِ الانْدِمَالِ. وإن سَرَتْ من عُضْوٍ إلى عُضْوٍ، كما إذا قَطَعَ أُصْبُعَهُ، فَسَرَتْ (4) إلى الكَفِّ، ففيه أوجه:
أحدها: أن ابْتِدَاءَ المُدَّةِ من وقت سُقُوطِ الكفِّ، فإنه نِهَايَةُ الجِنَايَةِ، وقطع الأصبع مع السِّرَايَةِ كقَطْعِ الكفِّ.
والثاني: أن الابتداء من وَقْتِ الانْدِمَالِ لا من وَقْتِ قَطْع الأصبع، ولا من وقت سُقُوطِ الكَفِّ؛ لأن الجِرَاحَةَ لم تَقِفْ على مَحَلِّهَا، بل سَرتْ، فتعتبرَ المدَّةُ من نِهَايَةِ أَثَرِهَا.
والثالث: أن مُدَّةَ أُرْشِ الأصبع من يوم القَطْعِ، كما لو لم يَسْرِ، ومدة أَرْش الكفِّ من يوم سُقُوطِ الكَفِّ.
والمذكور في "التهذيب" الأول، وفي تَعْلِيق الشيخ أبي حَامِدٍ، وكُتُب أصحابه الثاني، ويحكي الثَّالِثُ عن اختيار القَفَّالِ.