وهل يَتَعلَّقُ مع ذلك بِذمَّتِهِ؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم، كالمال الوَاجِبِ في جِنَايَةِ الحر، وللعبد ذِمَّةٌ، بدليل أنه لو اسْتَقْرَضَ مَالاً، وأَتْلَفَهُ يثبت البَدَلُ في ذِمَّتِهِ.
وعلى هذا فالرَّقَبَةُ مَرْهُونَةٌ بالحَقِّ الثابت في الذِّمَّةِ.
وأصحهما: ويُنْسَبُ إلى الجديد المَنْعُ؛ لأنه لو تَعَلَّقَ بالذِّمَّةِ كما تَعَلَّقَ بالرقبة كديون المُعَامَلاَتِ التي تَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ.
وقد يقال في المسألة وجهان بَدَلاً عن القولين. وسَبَبُ التَّرَدُّدِ على ما أَشَارَ إليه الإمَامُ أنهما ليسا مَنْصُوصَيْنِ، لكنهما مُسْتَنْبَطَانِ من أصول وقَوَاعِدَ للشافعي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فعبر مُعبِّرُونَ عنهما بقولين، وآخرون بوجهين.
وإذا حكمنا بالتَّعَلُّق بالذِّمَّةِ، فهذا بقي شَيْءٌ بعد صَرْفِ ثَمَنِهِ إلى الأَرْشِ اتبع به بعد العِتْقِ، وكذا لو ضاع (1) الثَّمَنُ قبل أن يصرف إلى المجني عليه يطالب بالكُلِّ، وهل يَجُوزُ أن يَضْمَنَهُ أَجْنَبِيٌّ؟
قال الإِمام: فيه تَرَدُّدٌ عندي، مَأْخُوذٌ من كلام الأئمة.
أحد الوجهين (2) أنه لا يَصِحُّ ضَمَانُهُ؛ لأنا وإن أَطلَقْنَا ثُبُوتَهُ، فهو على تقدير التَّوَقُّعِ، ولا اسْتِقْرَارَ له في الحال.
وأظهرهما: الصِّحَّةُ، كما يصح الضَّمَانُ عن الميت المُعْسِرِ وبل أولى (3)؛ لأن للعبد رَجَاءَ العِتْقِ واليَسَارِ، وآمَالُ الميت مُنْقَطِعَةٌ، فضمان ما يلزم ذِمَّتَهُ من ديون المُعَامَلاَتِ أَوْلَى بالصِّحَّةِ، ولا خِلاَفَ في أنه يَصِحُّ ضمان ما يتعلَّق بِكَسْبِهِ كالمَهْرِ في النِّكَاحِ الصحيح.
ولو قال السيد: ضَمنْتُهُ، فقد رَتبهُ الإِمام على الخِلاَفِ فيما إذا ضَمِنَ الأَجْنَبِيُّ، وجعله أَوْلَى بالصحة؛ لتعلقه بِملْكِهِ.
إذا تَقَرَّرَ ذلك، فالعَبْدُ الذي تَعَلَّقَ المال بِرَقَبَتِهِ لا يَصِيرُ مِلْكاً للمجني عليه، ولكن السَّيِّدَ بالخِيَارِ بين أن يَبِيعَهُ بنفسه، أو يسلمه للبيع، وبين أن يَسْتَبْقِيَهُ، ويَفْدِيَهُ، ويكون المَالُ المَنْدُولُ منه فِدَاءً، كالثمن الذي يَبذُلُهُ غيره.
وإذا سَلَّمَهُ للبيع، فإن كان الأَرْشُ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ بِيعَ جَمِيعُهُ، وإلا فَيُبَاعُ بِقَدْرِ الحاجة إلا أن يَأْذَن السيد في بَيْعِ الجميع، فيؤدي الأَرْشَ، ويكون الباقي له، وكذا