وكذلك الحكم لو كان قد سَلَّمَهُ لِلْبَيْع، فجنى جِنَايَةً أخرى قبل أن يُبَاعَ، ولو قَتَلَ العَبْدَ الجَانِي أو أَعْتَقَهُ أو باعه، وقلنا بِنُفُوذِهِمَا، أو اسْتَوْلَدَ الجَارِيَةَ الجَانِيَةَ، فعليه الفِدَاءُ، وما الذي يلزمه؟ فيه (1) طريقان:
أحدهما: طرد القولين.
وأصحهما: أنه لا يَلْزَمُهُ إلا الأَقَلُّ؛ لِتَعَذُّرِ البَيْعِ وبُطْلاَنِ تَوَقُّعِ الزِّيَادَةِ.
ولو مات العَبْدُ الجَانِي، أو هَرَبَ قبل من يطالب السيد بتسليمه، فلا شَيْءَ على السَّيِّدِ، وكذا لو طُولِبَ، ولم يمنعه وإن طُولِبَ فَمَنَعَهُ، صار مُخْتَاراً لِلْفِدَاءِ.
قال في "التهذيب": ولو قتل العَبْد، فللسيد أن يَقْتَصَّ، وعليه الفِدَاءُ للمجني عليه، ويجوز أن ينظر في وُجُوب الفِدَاءِ عليه إلى أن مُوجِبَ العَمْدِ القِصَاصُ، وأَحَدُ الأَمْرَيْنِ، وإن كان القَتْلُ موجباً للمال تَعَلَّقَ حَقُّ المجني عليه بِقِيمَتِهِ، وإذا أخذت تَخَيَّرَ السَّيِّدُ في تَسْلِيمِ فيها، وتسليم بَدَلِهَا من سائر أمواله تَخَيُّرَهُ في رَقَبَةِ العَبْدِ، وإذا لزم الفِدَاءُ بعد موت العبد أو قبله، ففيما يَفْدِيهِ؟ الطريقان المذكوران فيما إذا قتل العبد، أو أعتقه لحصول اليَأْسِ عن بيعه بما يزيد (2) على قِيمَتِهِ.
ولو قال السَّيَّدُ: اخترت الفِدَاءَ، فهل يَلْزَمُهُ الفِدَاءُ، أم يجوز له الرُّجُوعُ، ويسلم العبد، لِيُبَاعَ؟ فيه وجهان:
ظاهر المذهب، وهو المذكور في "التهذيب" أنه لا يلزمه الفِدَاءُ (3)، ويبقى الخِيَارُ، وأَجْرَى الإمَامُ الخِلاَفَ (4) فيما إذا قال: أنا أَفْدِيهِ، وهو أَبْعَدُ لاحتماله الوَعْدَ، ومَوْضِعَ الخلاف ماَ إذا كان العَبْدُ بَاقِياً، أما إذا مات فلا رُجُوعَ له بِحَالٍ.
قال الغَزَالِيُّ: وإنْ جَنَتِ المُسْتَوْلَدَةُ فَعَلَىَ السَّيِّدِ أَقَلُّ الأمْرَيْنِ لِأَنَّهُ مَانِعُ بِالاسْتِيلاَدِ، فَلَوْ جَنَتْ مِرَاراً وَلَمْ يَتَخَلَّلْ فِدَاءٌ فَهِيَ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَتُجْمَعُ وَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ، وَلَوْ تَخَلَّلَ فِدَاءٌ لَزِمَهُ فِدَاءٌ جَدِيدٌ فِي أَحَدِ القَوْلَيْنِ، وَفِي القَوْلِ الثَّانِي يُسْتَردُّ الأَوَّلُ وَيُوزَّعُ عَلَيْهِمَا، وَوَطْءُ الجَارِيةِ الجَانِيَةِ لَيْسَ اخْتِيَاراً لِلْفِدَاءِ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ.