والثاني: المنع؛ لأن الغالب في المقابر النبش، وبه قال أبو إسحاق، ويكره استقبال القبور في الصلاة؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "نَهَى أَنْ تُتَّخَذَ الْقُبُور مَحَارِيبَ" (1). هذا تمام الكلام في النَّجاسات التي ليست هي في مظنة العفو والعذر.
قال الغزالي: أَمَّا مَظَانُّ الأعْذَارِ فَخَمْسَةٌ: (الأوُلِىَ) الأَثَرُ عَلَى مَحَلِّ النَّجْو، وَلَوْ حَمَلَ المُصَلِّي مَنِ اسْتَجْمَرَ لَمْ يَجُزْ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ العَفْوَ فِي مَحَلِّ نَجْوِ المُصَلِّي لِلْحَاجَةِ وَلَوْ حَمَلَ طَيْرًا جَازَ، وَمَا فِي البَطْنِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ قَبْلَ الخُرُوجِ لِأَنَّهَا مُسْتَتِرَةٌ خِلْقَةٌ، وَمَا عَلَى مَنْفَذِهِ لاَ مُبَالاةَ بِهِ عَلَى الأَظْهَرِ، وَفِي إِلْحَاقِ البَيْضَةِ المَذِرَةِ بِالحَيَوانِ تَرَدُّدٌ، لِأَنَّ النَّجَاسة مُسْتَتِرَةٌ خِلْقَةٌ، وَالقَارُورَةُ المُصَمَّمَةُ الرَّأْسِ لَيْسَتْ كَالْبَيْضَةِ (و).
قال الرافعي: القسم الثاني من النجاسات: النجاسات الواقعة مظنة العذر والعفو، وقد جعل مظان العذر خمساً:
إحداها: الأثر على محل النجو إذا استنجى بالحجر، فهو معفو عنه، وإن كان ذلك الأكل نجساً، أما كونه معفوًا عنه؛ فلما سبق من جواز الاقتصار على الحجر، وأما كونه نجساً، فلأن المطهر هو الماء، فلو خاض في ماء قليل نجس الماء؛ لأن العفو رخصة، وتخفيف الخوض في الماء مما تندر الحاجة إليه، ولو حمل المصلي من استنجى بالحجر ففي صحة صلاته وجهان:
أحدهما: تصح؛ لأن ذلك الأثر واقع في محل العفو، فلا عبرة به، كما لو صلى المحمول معه، وكما يعفى عنه من الحامل.
وأصحهما: أنها لا تصح؛ لأن العفو عنه من المستجمر إنما كان للحاجة، ولا حاجة به إلى حمل الغير، فصار كما لو حمل شيئاً آخر نجساً، وينسب الوجه الأول إلى الشيخ أبي علي، والثاني إلى القفال.
ويجري الوجهان فيما إذا حمل المصلي من على ثوبه نجاسة معفو عنها (2)، ويقرب منهما الوجهان فيما لو عرق وتلوث بمحل النجو غيره، لكن الأصح هاهنا العفو لتعذر الاحتراز (3) بخلاف حمل الغير ولو حمل طيراً، أو حيواناً آخر لا نجاسة عليه