ومنها: إذا شهد عدْلٌ بأن فلانًا قتل فلانًا، فهذا لوْثٌ، ولو شهد جماعةٌ ممن تُقبَلُ روايتهم؛ كالعبيد والنسوة، فإن جاؤوا متفرقين، فكذلك؛ لأن الغالِبَ أن اتفاق أقوالهم لا يصدُر إلا عن حقيقة، وإن جاؤوا دفعةً واحدةً، فوجهان (1):
أشهرهما: المنع؛ لاحتمال أنهم تواطؤوا أو لقنوا، وأقواهما أنه لوْث؛ لأنه يثير نوْعَ الظنِّ، واحتمال التواطؤِ كاحتمال الكذِبِ في شهادة العدْل الواحِدِ، وهذا ما يوافقه إطلاقُ صاحب الكتاب، وكذلك أطلق الشيخُ أبو حامد، وفي "التهذيب" أن شهادة اثنَيْنِ من العبيد والنسوةِ كشهادة الجَمْع.
وقال في الكتاب: "والقياس أن قوْلَ واحدٍ منهم لوْثٌ أيضًا"، ويشبه أن يُرتَّب هذا على الوجهين فيما إذا جاء جَمْعٌ منهم، وشهِدُوا مجتمعِينَ، فإن لم نجعلْه لوثًا، لم نجعل قول الواحد منهم لوْثًا، وأما الَّذين لا تُقْبَل روايتُهم؛ كالصِّبْية والفَسَقة وأهل الذمة، فهل يكون قولُهم لوثًا؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو المذكور في "التهذيب": المنع؛ لأنه لا اعتبار بقَوْلِهِم في الشَّرْع.
وأرجحهما على ما قاله ابن الصبَّاغ وغيره: نعم؛ لأن الغالب أن اتفاق الجماعة الكبيرة على الإخبار عن الشيء كيف كان لا يكون إلا عن حقيقة، واختلفتِ الروايةُ عن أبي إسحاق، فمنهم مَنْ روَى عنه الوجْه الأوَّل، ومنهم مَنْ روَى عنه الثَّانِيَ وعنْ "المنهاج" للشيخ أبي محمَّد؛ أنه يحصُل اللوْث بقَوْل الصِّبيان والفسقة دون الكفار وليس من موجبات اللوث قولُ المجروح: جرَحَنِي أو قتَلَنِي فلانٌ أو دَمِّي عند فلان؛ لأنه منعٌ، فلا يعتمد قوله، وقد يكون بينه وبين غيره عداوةٌ فيقصدُ إهلاكه.
وقال مالك: هو لَوْث.
ولْيعلَمْ قوله في الكتاب: "والأطراف" بالواو للوجه المذكور (2).
وقوله "قولان" في مسألة العبد، بالواو؛ للطريقة القاطعة بجريان القَسَامة في "شرح مختصر الجوينيِّ" أن ابن سريج وأبا إسحاق يَذْهَبَان إليها.