الاشتباه أنَّ القاتل هو الذي عينه، ويقْرب هذا الخلافُ من الخلاف فيما إذا قال المُدِّعِي: لابينة لي، ثم جاء ببينة.
قال الغَزَالِيُّ: الثَّانِي: إِذَا ظَهَرَ اللَّوْثُ فِي أَصْلِ القَتْلِ دُونَ كَوْنهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا يُمْنَعُ مِنَ القَسَامَةِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ إِذْ لَيْسَ بتَعَيَّنُ للْخِطَابِ العَاقِلَةُ وَلا الجَانِي.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا ظهر اللوْث في أصل القتل دون كونه خطأً أو عمْداً، فهل يتمكَّن الوليُّ من القسامة على أصل القتل؟ ذكروا فيه وجهَيْن:
أحدهما: نعم؛ لأنه إذا ظَهَر القاتلُ، خرج الدم عن كونه باطلاً مُهْدَراً.
وأظهرهما: المنع؛ لأن مطْلَق القتْل لا يفيد مطالبةَ القاتل، بل لا بُدَّ من ثبوت العمْدية، ولا مطالبة العاقلة، بل لا بد وأن يثبت كونُه خطا أو شبْهَ عَمْدٍ، وههنا كلماتٌ.
إحداهما: إنْ مكَّنَّاه من القسامة على أصْل القتْل، فعدمُ ظهور اللوث في صفة القتْل، ليس مانعاً منْ أصْل القَسَامة، ولا مُسْقِطاً أثر اللَّوْث، وإن لم يمكنْه، فاللوث المعتبَرُ لمْ يحْصُل، ففي تسميته مُسقِطاً تساهُلٌ وتوسُّع.
والثانية: قدَّمْنَا أن الدعوَى لا بد، وأن تكون مفصَّلةً، وأشرْنا إلى خلاف فيه، فإن ادَّعَى الوليُّ وفصَّل، وظهرتِ الأمارةُ المُشْعِرة بما يدعيه، فذاك، وإن فصَّل، وظهَرَتْ أمارة أصل القتل دُون الصفة، ففي القسامة على ما ظَهَرت أمارتُه، هذا الخلاف، وإن احتملْنا كونَ الدعوَى مجهولةً, فإذا أطلق الدعوَى، وظهر اللوث في مطْلَقِ القتْل، فيجيء هذا الخلاف، وعلَى هذا التصوير ينطبق ما ذكره صاحب "التهذيب": أنه لو ادعَى على رجُلٍ أنه قتل أباه، ولم يقل (1): عمدًا ولا خطأ، وشهِدَ له شاهدٌ، لم يكن ذلك لوْثاً؛ لأنه لا يمكنه أن يحْلِف مع شاهده، ولو حَلَف لا يُمْكِن الحكم به؛ لأنه لا يَعْلَم صفة القتل، حتى يستوفي موجِبَه، هذا لفظه.
والثالثة: ما ذَكَرْناه في الفصْل يَدُلُّ على أن القسامة على القَتْل الموصوفِ تستدعي ظهورَ اللوث في القتل الموصوف، فقد يُفْهَم ما أطلقه الأصحابُ أن اللوْث في أصْل القتل، إذا ظهر، كَفَى؛ لتمكُّن الوليِّ من القسامة على القتل الموصوف، وما هو ببعيد؛ ألا ترى أنا ذَكَرْنا أنه لو ثبَتَ اللوْثُ في حقِّ جماعة وادَّعى الوليُّ على بعضهم، جاز ويُمَكّن من القسامة، فكما لا يعتبر ظهُور اللوث فيما يَرْجِع إلى الانفراد والاشتراك، جاز ألا يُعْتبر ظُهُور (2) اللوث فيما يرجع إلى صفتَيِ العمْدِ والخطأ.