وأصحُّهما: نعم؛ لأنها يمين في دعوى الدَّمِ، فأشبهت يمين المدَّعَي، وقد بني الخلاف على أن التعدُّد في يمين المدعي سببه ماذا؟ قيل سببه أن تصديق المدَّعِي خلافَ القياس الظاهر، فأكد (1) بالعدَد في اليمين.
وقيل: سببه حرمة الدمِ وتفخيم شأنه، فعلى الأول: لا تعدد في يمين المدعَى عليه، وعلى الثاني: يتعدد، وإذا نَكَل المدعَى عليه، فيرد على المدعَي ما توجه على المدعَى عليه، على اختلاف القولَيْن.
ويجري الخلافُ في يمين المدعي مع الشاهد الواحِدِ، وإذا كانت الدعوَى في محلِّ اللوث، ونَكَل المدعِي عن أيمان القَسامة، فهلْ تُغلَّظ اليمينُ على المدَّعَى عليه بالعَدَد؟ فيه طريقان:
أحدهما: أنه على القولَيْن المذكورَيْن فيما إذا لم يكن هناك لَوْث؛ لأن نكوله يُبْطِل اللوث، فكأنه لا لَوْث.
وأصحُّهما: القَطْع بالتغليظ؛ لمَا رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال في قصَّة قتيل خَيْبَر"فَتُبْرِئَكُمُ اليَهُودُ بخمسين يميناً" جعل أيمان المدعَى عليهم بعَدَد أيمان المدَّعِين، وإذا قلنا بالتعدُّد، فلو كانت الدعْوَى على جماعة، إما في محلِّ اللوث أو من غير لوث فتُقَسَّط اليمين عليهم أو يَحْلِف كلُّ واحد منهم خمسين يميناً؟ فيه قولان:
أحدهما: أنها تُقسَّط؛ لأن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم يجْعل على اليهود إلاَّ خَمْسين يميناً؛ وعلى هذا، فالتوزيع على عدد رؤوسهم؛ لأن الشركاء في القتل لا يتفاوتون في الدية، بخلاف ما في طَرَف المدَّعِين، حيث قلْنا: بالتوزيع على مقادير الإرث؛ لأنهم يثبتون الحق للقتيل نيابةٌ عنه، فيُنْظر إلى قدْر النيابة.
والثاني: أن كلَّ واحدٍ منهم يحْلِف خمسين يميناً، كما كان يحلِفُ الواحدُ خمسين؛ اعتباراً باليمين الواحدة، والقوْلان كالقولَيْن، فيما إذا تعدَّد ورثة القتيل تُوزَّع عليهم أيمانُ القسامة أم يَحْلِف كلُّ واحد منهم خمْسين، لكن أصحُّ القولَيْن ههنا على ما ذَكَره الأكثرون، منهم الشيخُ أبو حامد وأصحابُه "وصاحب المهذب" والقاضي الرويانيُّ: أنه يحلِف كل واحد منْهم خمسين يميناً.
والأصحُّ، فيما إذا تعدَّد المُدَّعون: التوزيع عليهم، وفَرَقوا بأنَّ كل واحدٍ من المدعَى عليهم يبقى عن نفسه القتْل، كما ينفيه الواحدُ، لو انفرد، وإذا تعدَّد المدعون،