والثاني: وهو نصه في "القديم" وفي "الأم": أنه يعفى عنه، لأن جنس الدم يتطرق إليه العفو، فيقع القليل منه في محل السامحة.
والأصح منهما عند العراقيين، إنما هو العفو، وتابعهم صاحب "التهذيب"، وعند إمام إلحرمين وجماعة عدم العفو، وهو الأحسن، ولو أصابه شيء من دم نفسه، ولكن لا من البثرات، بل من الدماميل والقروح، ومن موضع القصد والحجامة. ففيه وجهان:
أحدهما: ويحكى عن ابن سريج: أنه كدم البثرات؛ لأنها دمان لم تكن غالبة فليست بنادرة أيضاً، وإذا وجدت دامت وعسر الاحتراز عن لطخها، ولأن الفرق بين البثرات والدماميل (1) الصغار قد يعسر.
والثاني: أنها لا تلحق بدم البثرات؛ لأن البثرات لا يخلو معظم الناس عنها في معظم الأحوال، بخلاف الدماميل والجراحات، وعلى هذا فينظر إن كان مثلها مما يدوم غالباً فهي كدم الاستحاضة، وحكمه ما سبق في "الحيض" وإن كان مما لا يدوم غالباً فيلحق بدم الأجنبي، حتى لا يعفى عن كثيره بحال، وفي قليله الخلاف الذي سبق.
والوجه الأول: هو قضية كلام الأكثرين، حيث لم يفرقوا في الدم الخارج من البدن بين أن يخرج من البَثَرَاتِ، أو غيرها.
والوجه الثاني: هو اختيار القاضي ابن كَج، والشيخ أبي محمد، وإمام الحرمين -رحمهم الله- وهو الأولى.
وإذا أردت تلخيص حكم الدماء بعد دم البراغيث فطريقه على قضية الوجه الأول أن نقول: ما سوى دم البراغيث ينقسم إلى الخارج من بدنه، فهو كدم البراغيث، وإلى غيره فلا يعفى عن كثيره، وفي قليله الخلاف، وعلى قضية الوجه الثاني أن نقول: ما سوى دم البراغيث ينقسم إلى الخارج من بدنه على وجه يعم، وهو دم البثرات فهو كدم البراغيث، وإلى غيره ويدخل فيه ما يخرج من بدنه وعلى وجه لا يعم، وما يخرج عن غيره فلا يعفى عنه كثيره، وفي قليله الخلاف.
وحكم القيح والصديد حكم الدم في جميع ما ذكرناه؛ لأنهما دمان مستحيلان إلى نتن وفساد، وأما ماء القروح والنفطات فإن كان له رائحة كريهة فهو نجس كالقيح، والصديد، وإلا ففيه طريقان (2):
أحدهما: القطع بطهارته تشبيهاً له بالعرق.