السَّقيفةِ، فَتَرَكُوا ما همُّوا به، وبذلك أخذَتِ الصحابة -رَضِيَ الله عَنْهُمْ- فمَنْ بعْدَهم، فإنْ لم يوجَدْ في قريش مَنْ يستجمع الصفاتِ المعتبرةَ، وُلِّي كِفَانِيٌّ؛ فإن لم يوجَدْ، فرجل من وَلَدِ إسماعيل -عليه السلام- ولك أن تقول: قريشٌ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بن خُزَيْمَةَ بْنُ مُدْرِكَةَ، فكما قالوا: إذا لم يوجَدْ قرشيٌّ، يولى كنانيٌّ، فهلَّا قالوا: إذا لم يوجد كنانيٌّ، يولَّى خُزَيْمِيٌّ, وهكذا يَرْتَقِي إلى أبٍ بعدْ أبٍ، حتى ينتهي إلى إسماعيل -عليه السلام-، فإن لم يوجَدْ مِنْ ولد إسماعيل مَنْ يصلح لذلك، ففي "التهذيب" أنه يولَّى رجلٌ من العَجَم، وفي "التتمة": إنه يولَّى جُرْهُمِىٌّ، وجُرْهُمٌ أصل العَرَب، ومنهم تزوَّج إسماعيلُ -عليه السلام- حين أنزله أبوه أرْضَ مكة، فإن لم يوجَدْ جرهميٌّ، فرجل من نسل (1) إسحاق -عليه السلام-، ولا يشترط أن يكون هَاشِمِيّاً (2) ولا أن يكون معصوماً، وفي جواز تولية (3) المفضولِ خلافٌ مذكورٌ في "أدب القضاء"، فإن لم تتَّفِق الكلمة، إلا عليه، فلا خلاف في الجواز (4)، لينحسم (5) باب (6) الفتنة، ولو (7) نشأ مَنْ هو أفضل من الإِمام المنصُوب، لم يُعْدَل، عن المنصوب إليه.
فصْلٌ: لا بد للأُمَّة من إمام يُحْيِي الدينَ، ويقيم السنة وينصف المظلومين من الظالمين (8)، ويستوفي الحقوقَ، ويَضَعها مواضعها، فلا يصلح الناس فوْضَى، وتنعقد الإمامة بطُرُقٍ:
أحدها: البَيْعَة، كما بايع الصحابةُ (9) -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - أبا بكرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وذُكِرَ في عَدَد الَّذين تَنْعَقِدُ الإمامة بِبَيْعَتِهم وجوهٌ:
أحدها: أنه لا بد من أَرْبَعِينَ؛ لأن عقد الإمامة أعظم خَطَراً من عقْد الجُمُعَة، وهذا العدَدُ معتبرٌ في الجمعة، ففي البيعة أَوْلَي.
والثاني: أنه يَكْفِي أربعةٌ، وهو أكمل نصاب (10) الشهادات.
والثالث: ثلاثةٌ؛ لأن الثلاثة مطْلَقُ الجمع، فإذا أنفقوا لم يَجْزْ مخالفة الجماعة.
والرابع: اثنان؛ لأن أقل الجَمْع اثنانِ.
والخامس: واحدٌ؛ لأن عُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بايع أبا بكرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-