أن يُفَصَّل، فيقال: إن كان الحصنُ على فوهة الطريق، وكانوا يستولون (1) بسببه (2) على ناحية وراء الحصْنِ، فالشوكة حاصلةٌ، وحكم أهل البغْي ثابت لئلا يتضرَّر أهل الناحية بتعطيل (3) الأقضية والأحكام، وإلا فليسوا بأهل البغْي، ولا نبالي بما يقع من التعطُّل في العدد القليل.
الثانية: قال الإخلاف أنه لو تَحزَّب من رجال القتال المنعوتين بالشجاعة عدَدٌ يسير، وكانوا بفضل القوة ويَقْوَون على مصادمة المجموع الكثيرة (4) فهم على عدة تامة، ويحتمل أن ينازع فيه منازعٌ؛ لقلة عددهم، وتجعل قواهم كالمَكَانِ الحَصِين.
الثالثة: قال: يجب القطْع بأن الشوكة لا تحْصُل إذا لم يكُنْ لهم متبوع مطاع؛ فإن رجال النجدة، وإن كثروا، فلا قوة لهم ولا شوكة، إذا لم يصْدُروا، ولم يجتمعوا على رأْي قطاع متبوع (5)، وهل يشترط أن يكون فيما بينهم إمامٌ منصوبٌ أو منتصب؟ فيه وجهان معْرُوفان، ويقال قولان: للجديد الاشتراط:
أحدهما: وإليه ميل صاحبَيْ "التهذيب" و"التتمة"، وإلا، فلا يكون فيما بينهم قاض ووال، فإن الرعايا لا يتمكنون من بيعتهم، فيتعطل الأحكام.
وأظهرهما، عند أكثرهم، وهم أصحابنا العراقيون والإمام: لأنه ثبت لأهْلِ الجمل، وأهل النهروان حكْمُ البغاة، ولم يكن فيما بينهم إمامٌ، وعن "المنهاج" للشيخ أبي محمَّد: أنه يعتبر في أهل البغْيِ وراء ما سبق ذكره شيئان آخران: أن يمتنعوا مِنْ حُكْم الإِمام، وأن يظهروا لأنْفُسهم حكماً، وقد جرى ذكرهما في وصف الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أهل البغْي ويشبه أن يقال: إنَّ هذا طريقُ مخالفةِ الإِمام، ولا بد في القوم من المخالفة؛ ليكونوَا باغين، ثم يعتبر فيهم الصفتان المذكورتان فليس ذلك مخالفاً لما سقناه والله أعلم.
وقوله في الكتاب: "يمكنها مقاومة الإِمام" قصد ضبط الشوكة، وأشار إلى أنه لا يعتبر أن يساوي عدَدَهُم عَدَدَ أجناد الإِمام، بل يكفي أن يجسروا على المقابلة والمقاومة، ويتوقَّعوا الظَّفر، وقد تغلب الفئة القليلة الكثيرة.
وقوله "ومانعوا الزكاة وسائرِ حقوقِ الشرع " يدخل فيه التبعات والغرامات، والحدود، والمقصودُ ما إذا منعوها بلا شبهة ولا تأويل؛ لأن الذين منعوا بتأويل وشبهة باغون على ما قدَّمنا.