يساعدْه الأصحاب على ذلك، وقطَعُوا بأنَّ له إقامة الحدِّ عليهما، وبه قال مالك وأحمد، إلا أن مالكاً شَرَطَ في الأَمةَ ألاَّ تكونَ مزوَّجة، وقال أبو حنيفة: ليس للسيد ذلك بَلْ هو إلى الإِمام، كما في الأحرار.
لنا: ما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" (1).
وعن أبي هريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا، وَلاَ يُثرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلاَ يُثْرِبْ، ثُمَّ إنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ" (2).
قوله: "ولاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا" قيل: لا يوبِّخْها، ولا يُعَيِّرْهَا، وقيل: لا يبالغْ في جَلْدِها، بحيث يدْمِيهَا، وكما يجوز للسيد إقامةُ الحدود على مملوكه، يجوز للإمام إقامته أيضاً، ومن ابتدر إليه منها، وقع الموقع، ونقل الشيخ أبو خَلَفٍ الطبريُّ وجهين، في أن الأولَى للسيد أن يقيم الحدَّ بنفسه، ليكون أستر، ولئلا ينقص قيمة العبْد بظهور زنَاهُ أو الأَوْلَى أن يفوضه إلى الإِمام ليخرج من الخلاف.
وإذا تنازع في إقامته الإمامُ والسيِّدُ، فمن الأَوْلَى منهما؟ فيه احتمالان للإمام:
أحدهما: أن السيد أولَى؛ لغرض استصْلاَح المِلْك.
وأظهرهما: أن الإِمام أولَى، لولايته العامة، وإقامةُ الحدودِ من آثار الولاية، وهذا كما أنه أولى بالإمامة في الصلواتٍ، وذكر احتمالاً ثالثاً، وهو، أن يُفْرِقَ بين الجَلْد، فيُجْعَلَ السيِّدُ أَوْلَى به، وبيْن القطْع والقتْل؛ فيُجْعَل الإمامُ أولَى بهما؛ لأن إعمال السلاح لصاحب الأمر أليقُ، والعبد المشترَكُ، يقيم الحدَّ عليه مُلاَّكُه، وتُوزَّع السياط على أقْدار المِلْك، فإنْ وقَع كسْرٌ، فوَّضوا المنْكَسِر إلى أحَدِهم، وهل يُغَرِّب السيدُ، كما يجلد تفريعاً على أن العبْدَ يغرَّب؟ فيه وجهان:
أحدهما: ويحكَى عن ابن سريج: لا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ" ولم يتعرض للتغريب.
وأصحُّهما: نعم؛ لأنه بعض الحدِّ، وقد ورد "أقيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ".
والمدَبَّر وأم الولد، والمعلَّق عتقه بصفة، كالقِنِّ لبقاء الرقٌ وقيام ولاية السيد