الجملة، وعن ابن خيران: أن فيه قولاً آخر: أنَّه لا يجبُ بحال؛ لأن الكفَنَ موضُوعٌ للبِلَى غير محرَّز، ويذكر أن أبا حفْص بْنَ الوكيل، نَسَب ذلك إلى القول القديم، وبه قال أبو حنيفة، ووجه الأول، وقطع أكَثر الأصحاب به بما روي عن البراء بن عازب أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ نَبَّشَ، قَطَعْنَاهُ" (1).
وعن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- أنَّهَا قَالَتْ: "سَارِقُ موْتَانَا كَسَارِقِ أحيائنا" ويتفرَّع على المذهب المشهورِ صوَرٌ.
إحداها: إن كان القبرُ في بيت محرَّزٍ، وجب القطْع بسرقة الكَفَن منه، قال الإمام: ولو كانت المقبرةُ محفوفةً بالعمارات ينذُرُ تخلف الطارقينِ عنْها في زمن يتأتى فيه النبْش، أو كان عليها حرَّاسٌ مرتَّبُون فهي (2) بمثابة البيت المحرَّزِ،، وإن كان القبرُ في مفازةٍ وبقعةٍ ضائعةٍ، فوجهان:
أحدهما: أن الكَفَنَ، والحالةُ هذه، ليس بمحرَّز، وسرقته كسرقة المتاع من الدار البعيدَةِ عن العمران؛ وهذا؛ لأن السارق يأخُذ من غير خَطر، ولا يحتاج إلى انتهاز فرْصة، وبهذا الوجْه، أجاب الشيخ أبو إسحاق الشيرازيُّ، وصاحب الكتاب، وعزاه الإِمام إلى جماهير الأصحاب.
والثاني، وَيُحْكَى عن اختيار القفَّال، والقاضي الحُسَيْن، ورجَّحه أبو الحسن العبَّادي: أن القبر حِرْزٌ للكفن، حيث كان؛ لأن النفوس تهاب الموتى، ولذلك لا يعدُّ الدافن في مثل ذلك الموضع مضيَّعاً، وفرَّع صاحب "التهذيب" على الوجهين، فيما إذا كان القبر في بيت محرَّزٌ فسرق الكَفَن منه حافظُ البيت، فعلى الوجهِ الأولِ؛ لا يجب القطْع، وعلى الثاني؛ يجب، وإن كان القبر في مقابر البلاد الواقعةِ عَلَى طرف العمارات، فإن كان لها حارسٌ، وجب القطْعُ، وإلا، فوجهان:
أصحهما؛ على ما ذكره القاضي الرويانيُّ، وغيره: أن الجواب كذلك؛ لأن القبر في المقابر حرزٌ في العادة، كما أن البيْتَ المغلَقَ في العمران حرْزٌ، وان لم يكن فيه أحدٌ.
والثاني: المنْع؛ لأنه ليس دونه بابٌ مغلَقٌ، ولا عليه حارسٌ، فصار كالمتاع الموضوع هناك.