ويجري الوجهان فيما إذا سقط بعض الكف أيضاً، وبقي محل القطع. وحكى القاضي أبو حامد الوجه الثاني عن الشَّافعي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، واختياره عن ابن سريج ونسبة الوجه الأولى إلى النص (1)، وهو الأظهر عند الشيخ أبي حامد صاحب الكتاب، وجماعة.
وعن القاضي أبي حامد: إثبات الوجهين جميعاً، فيما إذا كانت يمناه مقطوعة الإبهام، فيجوز أن يُعَلَّم لذلك قوله في الكتاب: "اكتفينا بها ما بقي (2) إصبع واحدة".
المسألة الثالثة: من لا يمين له إذا سرق، تقطع رجله اليسرى. كما ذكرنا فيما إذا سرق فَقُطِعَتْ يمينه، ثم سرق مرة أخرى، ولو كانت يمينه سليمة، وسقطت قبل أن يقطع بآفة، أو بجناية، سقط عنه الحد. ولم يعدل إلى الرجل؛ لأن القطع تعلق بعينها، وقد زالت. وفيه وجه أنه يُعدَل إلى الرجل. كما لو فات محل القصاص، فيُعْدَل إلى بدله، وهو الدية. ولو سرق مراراً، ولم يقطع اكتفى بقطع يمينه عنهما كمن زنى مراراً أو شرب مراراً، لا يقام الحد إلا مرة واحدة.
المسألة الرابعة: إذا ابتدر مبتدر، فقطع يمين السارق من غير إذن الإِمام، لا يلزمه القصاص؛ لأنها مستحقة القطع. وإن سرى إلى النفس، فلا ضمان؛ لتولد السراية عن مستحق. ولكن يعزر المبتدر، لافتئاته (3) على الإِمام. هكذا أُطلِق. ويشبه أن يُجْعَل وجوب القصاص على الخلاف في قتل الزاني المحصن، ولو قطع يساره جانٍ (4) أو قطعها الجلاد عمداً، وجب القصاص على القاطع، ولا يسقط عنه قطع اليمين؛ خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: يسقط كيلا يُفَوَّتُ عليه جنس منفعة البطش. ولذلك قال: لو سرق ولا يسار له (5) أو يساره ناقصة بإصبع، لا يُقْطَع يمينه ولو قال القاطع: لم أعلم أنها يساره، حلف، ولزمته الدية.
ولو قال الجلاد (6) للسارق: أخرج يمينك، فأخرج يساره، فقطعها، ففيه طريقان:
أحدهما: قال القاضي أبو الطيب وآخرون، إن (7) قال المخرج: ظننت المخرج يميناً، أو أن اليسار تجزئ عن اليمين، ففي سقوط القطع عن اليمين، وقيام اليسار مقامها قولان:
أحدهما: المنع، كما لو استحق القصاص في اليمين، فأخرج اليسار، فقطعت.