أحدهما: أنه حَدٌّ، لكن أَضْعَفُ من الأربعين الأُولَى، فهي ثابتة (1) بالسُّنَّةِ، وهذه باجتهاد الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-ورأيهم (2).
وأظهرهما: عند أكثرهم أن الزِّيَادَةَ تَعْزِيزٌ؛ لأنها لو كانت حَدّاً، لما جاز (3) تَرْكُهَا، ويجوز أن يَتْرُكَهَا، ويقتصر على الأربعين.
رُوِيَ عن عَليٍّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أنه قال: ضَرَبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ، وضرب أبو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أربعين سَوْطاً.
و عن عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثَمَانِينَ، وَكُلُّ (4) سُنَّةٌ، واعترض على هذا الوَجْهِ بأن التَّعْزِيرَ لا يبلغ الحَدّ، فكيف يبلغ تَعْزِيرُ الشُّرْبِ مع حَدِّهِ أربعين.
وأُجِيبَ عنه بأن الوَاجبَ للشرب هو الجَلْدُ، والتعزير للجنايات المُتَوَلِّدَةِ منه من الهَذَيَانِ والافْتِرَاءِ، ويجوز أَن يبلغ تَعْزِيرُ الجنايات المتعددة الحَدِّ، وهذا ليس بشَافٍ، فإن الجِنَايَةَ التي يعزر عليها لاَ بُدَّ من تَحَقُقِهَا، ولا معنى لِلتَّعْزِير بالجناية المُتَوَقَّعَةِ، ثم تلك الجنايات والخَبَائِثُ التي (5) تَتَوَلَّدُ من الخمر لا تَنْحَصِرُ، فلتجر الزيادة على الثمانين، وقد منعوا منه، وصَرَّحَ به صاحب الكِتَابِ.
وفي قصة مراجعة الصحابة -رَضِيَ الله عَنهُم- وتبليغهم الضَّرَبَاتِ ثمانين أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بأن الكُلَّ حَدٌّ، وعلى هذا فَحَدُّ الشُّرْب مَخْصُوصٌ من بين سَائِرِ الحدود، بأن يَتحَتم بعضه، ويتعلّق بعضه (6) باجتهاد الإِمام، والله أعلم.
قال الغَزَالِيُّ: وَكَيْفِيةُ الجَلْدِ أَنْ يُضرَبَ بِسَوْطٍ مُعْتَدِلٍ أَوْ خَشَبَةٍ بَيْنَ القَضِيبِ وَالعَصَا بَيْنَ الرُّطوَيةِ وَاليُبُوسَةِ، وَلاَ يَرْفَعُ يَدَهُ فَوْقَ الرَّأْسِ حَتَّى لاَ يَشْتَدَّ الأَلَمُ، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ إِلاَّ عَلَى الوَجْهِ، وَلاَ يَبْقى الرَّأْسُ (ح)، وَلاَ يَشُدُّ يَدَ المَجْلُودِ لِيَتَّقِيَ بِيَدِهِ، وَلاَ يَتلُ لِوَجْهِهِ، وَلاَ يُكَبُّ بَلْ يُجْلَدُ الرَّجُلْ قَائِماً وَالمَرْأَةُ جَالِسَةً وَثِيَابُهَا مَلْفُوفَة عَلَيْهَا، وَيُوَالِيَ بَيْنَ الضَّرْبِ، وَلاَ يُفَرَّقُ عَلَى الأَيَّامِ تَفْرِيقاً يَقَعُ اللَّاحِقُ بَعْدَ زَوَالِ أَلَمِ السَّابِقِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: مَقصُودُ الفصل الكَلامُ في كَيْفيَّةِ الجَلْدِ، ولا يَخْتَصُّ ذلك بِحَدِّ الشُّرْبِ، بل الحكمُ في جَلْدِ (7) الزنا والقَذْفِ والشرب وَاحِدٌ، وفيه صور: