المُرَاهِقينَ وجهان مَبْنِيَّانِ على الخِلاَفِ في أن التَّعْلِيقَ في العبدين بالرَّقَبَةِ أو بالذمة؟
إن قلنا بالرقبة نزلنا ما وجد منهما مَنْزِلَةَ إِتْلاَف وجناية جنسه، (1) وكذلك في المُرَاهِقِينَ، إلا فقول الصَّبِىِّ لا يَصْلُحُ للالتزام فلا رجوع وإذا بَانَا فَاسِقَيْنِ، فإن قلنا: لا يُنْقَضُ الحُكْمُ، فلا أَثَرَ له.
وإن قلنا: يُنْقَضُ، وهو الأَصَحُّ ففي الرجوع عليهما وُجُوهٌ:
أحدها: يثبت كالرُّجُوعِ على العَبْدَيْنِ والكافرين.
والثاني: المنع؛ لأن الكافر والعَبْدَ مَأْمُورَانِ بِإِظْهَارِ حالهما، والفاسق غير مَأْمُورٍ بإظهار الفِسْقِ.
والثالث وهو الأَظْهَرُ: الفرق بين أن يكون مُجَاهِراً بالفِسْقِ، فيقع الرجوع عليه؛ لأنه كان من حَقِّهِ أن يمتنع عن الشَّهَادَةِ، ولأن قَبُولَ شهادته، وهو ظاهر الفِسْقِ يشعر (2) بِتَلْبِيسٍ من جهته، وبين أن يكون مُكَاتماً، فلا رجوع عليه.
وقوله في الكتاب: "ويجعل الشاهد كالغَازِّ على وجه" أَشَارَ به إلى ما ذكره الإِمَامُ من تشبيه الشهادة بالتَّغْرِيرِ، لكنه قال: "حتى (3) يخرج الرُّجُوعُ عليه بالضمان على قول الغُرور" كأنه يعني به القولين في الرُّجُوع على الغَارِّ بالمَهْرِ، وقضيته إثبات طريقين في المَسْأَلَةِ:
أحدهما: التخريج (4) على القولين.
والثاني: القَطْعُ بالمَنْعِ، والذي أَجْرَاهُ الإمَامُ و ذكر قيمة الولد، وقد ذَكَرَ صاحب الكتاب في مَوْضِعِهِ أنه يرجع بها قَوْلاً واحداً.
قال الغَزَالِيُّ: وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الجَلاَّدِ لِأَنَّهُ مَأْذُونُ الإِمَامِ، وَلاَ عَلَى الحَجَّامِ إِذَا قَطَعَ سِلْعَةً بالإِذْنِ أَوْ فَصَدَ، وَلَو قَطَعَ بِالإِذْنِ يَداً صَحِيحَةً فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ، وَلَوْ قَتَلَ الجَلاَّدُ الشَّفْعَوِيُّ حُرّاً بِعَبْدٍ بِإذْنِ الإمَامِ الحَنَفِيِّ، فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:
إحداهما: الجلاَّد وضربه بأَمْرِ الإِمام كَمُبَاشَرَةِ الإِمام إذا لم يعلم ظلمه وخطأه، ولأن الجَلاَّدَ سَيْفُ الإِمام، وسَوْطُهُ، ولا بد منه في الإِنَالَةِ والسِّيَاسَةِ.
ولو تَعَلَّقَ بفعله ضَمَانٌ لم يرغب فيه أَحَدٌ، وإن علم أن الإِمَامَ ظَالِمٌ، أو مخطئ،