ولو كان الإمَامُ لا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ القِصَاص على الحُرِّ بقتل العبد، وأمر به تارِكاً للتَّفَحُّصِ، وكانَ الجَلاَّدُ يعتقد أن الحُرَّ مَقْتُولَّ بالعبد، فإذا قتله على موجب اعتقاد نَفْسِهِ، فقد بني ذلك على الخِلاَفِ في المسألة السابقة، إن اعتبرنا رَأْيَ الإِمام وجب القصاص (1) وإن اعتبرنا رأي الجَلاَّدِ، لم يَجِبْ.
قال الإِمام: وهذا عندي ضعيف في هذه الصورة، فإن الجَلاَّدَ مُخْتَارٌ عالم بالحال، والإمام لم يُفَوِّضْ إليه النَّظَرَ والاجتهاد، وإنما استعمله للعمل فحسب، والإمام لو تَثَبَّتَ وعرف الحَالَ، لما أَمَر، ولا يبقى لأمره -والحالة هذه- أَثَرٌ الاستتباع، وبصير الجَلاَّدُ مُستَقِلاً بما فعل.
المسألة الثالثة: لا ضَمَانَ على الحَجَّام إذا حَجَمَ، أو فَصَدَ بِإِذْنِ من يعتبر إذنه، وأَفْضَى فِعْلُهُ إلى تَلَفٍ، وَكذا إذا قطع سِلْعَةً بالإذن للمعنى الذي ذَكَرْنَا في الجَلاَّدِ، ويخالف ما لو قَطَعَ يَداً صَحِيحَةً بِإذْنِ صاحبها، فَأَفْضَى إلى تَلَفِ النَّفْسِ، حيث يحكم بوجوب الدِّيَةِ على قول؛ لأن الإذْنَ هناك لا يُبيحُ القطع وإذا كان القَطْعُ حَرَاماً عليه، جاز أن يجب القِصَاصُ في سِرَايَتِهِ، وهاهنا أتى بفعل جَائِزٍ لغرض صَحِيحٍ، فيستحيل أن يَتَعَلَّقَ به ضَمَانٌ على أن الأظهر هناك أنه لا يجب الضَّمَانُ.
واعلم أن تأثير (2) الإِذْنِ في إسقاط القصاص (3) مذكور في الكتاب في فَصْلِ الإِكْرَاهِ من أول الجِنَايَاتِ، وتأثيره (4) في إسقاط الدِّيَةِ على الخلاف فيه مذكور في باب العَفْوِ من آخرها، ومقصود الإعادة هاهنا الإشَارَةُ إلى الفرق المذكور.
وقوله: " ولو قطَع (5) بالإذن يداً صحيحة ففي الضَّمَانِ وَجْهَان" قد يفهم منه ضمان اليَدِ المَقْطُوعَةِ، ووضع الخلاف فيه، لكن المَنْقُول فيه أنه لا يَجِبُ ضمان اليد المَقْطُوعَة إذا وقف القَطْعُ، ولم يذكروا خِلاَفاً فيه، وإنما الخلاف في ضمان النفس (6) إذا سَرَى القَطْعُ إليها، فإذن المعنى: قطع يداً صحيحة (7) فَسَرَى إلى النفس، ففي ضَمَانِ النَّفْسِ وجهان.
ثم الخلاف قولان، وكذلك أَوْرَدَ في باب العفو لا (8) وجهان، ويجوز أن يُعْلَمَ لفظ الخِلاَف بالواو؛ لما قَدَّمْنَا أن بعضهم قَطَعَ بالنفي.
قال الغَزَالِي
ُّ: (النَّظَرُ الثَّانِي فِي دَفْعِ الصَّائِلِ) في المَدْفُوعِ وَالمَدْفُوعِ عَنْهُ وَالدَّفْعُ (أَمَّا