نص عليه الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- وعلى أن الثلاث فصاعداً من الكثير، وفي الفعلتين وجهان محكيان عن رواية القاضي أبي الطيب وغيره.
أحدهما: أنهما من حد الكثير لمكان التكرار، وكالثلاث.
وأصحهما: أنهما من القليل لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "خَلَعَ نَعْلَيْهِ في الصَّلاَةِ" وهما فعلتان، ورأيت في كثير من نسخ الكتاب قوله: (ولا تبطل بما دونه) معلماً بالواو، كأنهم أشاروا به إلى الوجه الأول لكن إنما ينتظم ذلك لو رجعت الكناية في قوله: (بما دونه) إلى الخطوات والضربات ورجوعها إلى قوله: (والكثير أظهر) من رجوعها إلى الخطوات، ألا ترى أنه ذكر الكناية ولم يؤنثها، ثم أجمعوا على أن الكثير إنما يبطل بشرط أن يوجد على التوالي، وإليه أشار بقوله: (متوالية) أما لو تفرق كما لو خطا خطوة، ثم بعد زمانٍ خَطَا خطوة أخرى، وهكذا مراراً لم تبطل صلاته، وكذلك لو خطا خطوتين، ثم بعد زمان خطوتين أخريين إذا قلنا: إن الفعلتين من حد القليل.
واحتجوا عليه بحديث حمل أمامة، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَحْمِلُهَا وَيَضَعُهَا، ولم يضر ذلك لتفريق الأفعال، والتفريق بأن يعد الثاني منقطعاً عن الأول في العادة.
وقال في "التهذيب": فيما إذا ضرب ضربتين، ثم بعد زمان ضربتين أخرتين.
وحد التفريق عندي أن يكون بين الأوليتين والأخرتين قدر ركعة لحديث أمامة، ثم ما ذكره الأئمة أن الفعلة الواحدة تعد من القليل أرادوا به نحو الطعنة والضربة والخطوة، فأما إذا أفرطت كالوثبة الفاحشة، فإنها تبطل الصلاة، ذكره صاحب التهذيب (1) وغيره، وهو قضية العبارتين المشهورتين، وكذلك قولهم: (الثلاث المتوالية من الكثير المبطل) أرادوا من الخطوة وما يشبهها، وأما الحركات الخفيفة، كتحريك الأصابع في سبحة، أو حكة، أو عقد حل، ففيها وجهان:
أحدهما: أنها إذا كثرت وتوالت أبطلت؛ لأنها أفعال متعددة فأشبهت الخطوات.
وأظهرهما: أنها لا تؤثر؛ لأنها لا تخل بهيئة الخشوع، فهي مع كثرة العدد بمثابة الفعل القليل، وقد حكي عن نص الشافعي -رضي الله عنه- أنه لو كان يعد الآي في صلاته عقداً باليد، لم تبطل صلاته، وإن كان الأولى أن لا يفعله، وبه قال أبُو حَنِيفَةَ، وجميع ما ذكرناه في ما إذا تعمد الفعل الكثير، فأما إذا أتى به ناسياً فقد حكى في "النهاية" فيه طريقين:
أحدهما: أنه على الوجهين في الكلام الكثير ناسياً.