أحدهما (1) ما يُؤْمَرْ به الجميعُ دون الأفراد، كإقامَةِ الجمعة، حَيْثُ تجتمع شَرائِطُها، فإن كانُوا عددًا يرون انعِقَادَ الجمعة بهم، والمحتسب لا يراه، فَلا يَأْمُرُهمْ بما لا يجوزه، ولا يَنْهاهُمْ عما يرونه فَرْضًا عليهم، ويأمرُهم بصلاةِ الْعِيدِ، وهو لازِمٌ، أو جائِزٌ فيه وجهان.
والثاني: ما يُؤْمَرُ به الآحادِ، كما إذا أخّرَ بعضُ الناسِ الصلاة عن الوقت، فإن قال نسيتُها حثه على المراقبة، ولا يَعْتَرِضُ على من أخرها، والوقْتُ باقٍ؛ لاِخْتِلاَفِ العُلَماء في فَضْلِ التأخير.
والضَّرْبُ الثَّانِي: ما يتعلَّقُ بحقُوقِ الآدَمِيَّينَ، وينقسم إلى عامٍ كالبلد إذا تعطل شربه أو انهدم سوره، أو طرقه أبناء السبيل المحتاجُونَ، وتركوا مَعُونتهم، فإن كان في بيت المال مالٌ لم يؤمر الناس بذلك، وإن لم يكن أمر ذَوِي المُكْنة برعايتها وإلى خَاصٍّ، كمطْلِ المدِينِ المُوسِر بالدَّين، والمحتسب يأمره بالخروج عنه إذا استعداهُ رَبُّ الدين، وليس له الضَّرْبُ والحَبْسُ.
الثالث: الحقوقُ المُشْتَركَةُ كأمر الأَوْلِياء بإِنْكاح الأَكَفَاءِ، وإلزام النساءِ أحْكام العدد، وأَخْدِ السادَةِ بحقوق الأَرِقَّاء، وأرباب البهائم بتعهدها، وألاَّ يَسْتَعْمِلُوها فيما لا تَطِيقُ، وذكر في طرف المنكرات أَنَّ من يغير هَيْئَاتِ العبادات كالجهْرِ في الصلاة السَّرِّيةِ، وبالعكس أَوْ يزِيدُ في الأَذَانِ نمنعُه، ونُنْكِرُ عليه، وَمَنْ تَصَدَّى للتدريس والوعْظِ، وليس هو مِنْ أَهْلِه، ولم يُؤْمَنْ من اغترار (2) الناس به في تَأْوِيلٍ أو تَحْرِيف، فينكر المحتسب عليه، ويُظهر أمره لئلا يُغتَرَّ بِهِ.
وإذا رأى رَجُلاً واقفاً مَعَ امرأَةِ في شارع يطرقه الناس لم يُنْكِرْ عليه، وإن كان في طريقٍ خالٍ، وهو موضع ريبة، فينكر عليه ويقول: إنْ كانَتْ ذَاتَ مَحْرَم -فَصُنْها عن مواقِفِ الرِّيَبِ، وإن كانت أَجْنَبِيَّةً فَخَفِ اللهَ تعالى من الخَلْوَةِ معها، ولا ينكر في حقوق الآدَمِيِّين كتعدي الجار في جِدَارِ الجار إلاَّ باستِعْداء صاحب الحق.
وينكر على مَنْ يُطِيل الصلاةَ من أئمة المساجِدِ المطروقة، كما أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على مُعاذ -رضي الله عنه (3) - وعلى القضاة إذا حَجَبُوا الخُصُومَ وقصروا في النَّظَرِ في الخصومَاتِ والسوقي المختص بمعاملة النساء تختبر أمانَتُه، فإن ظهرت منه خيانة مُنِع من مُعَامَلتهن، وهذا بَابٌ لا تتناهى صوره.
ومن هذا القبيلِ إحياءُ الكعبةِ بالحجِّ في كُلِّ سنةٍ هكذا أطلقوه، ويَنْبَغِي أن تكون العُمْرَةُ كالحج بل الاعْتِكافِ، والصَّلاَةِ في المسجد الحرامِ، فإن التَّعْظِيمَ وإحياء البُقْعَةِ