وعن ابن أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- قال: كُنَّا نَأْخُذُ من طَعَامِ المَغْنَمِ ما نَشَاءُ (1) .. أطلق الكَلاَمَ إِطْلاَقًا، وقد يحتاج إلى إِقَامَةِ غير القُوتِ مَقَامَهُ عند شِدَّةِ الحَاجَةِ.
قال الإِمَامُ: ويمكن أن تَفْصِلَ بين ما يَتَسَارَعُ إليه الفَسَادُ، ويَشُقُّ نَقْلُهُ، وبين غيره، وكان صَاحِب الكِتَاب أَشَارَ بقوله: "وفي الفواكه الرَّطْبَةِ" إلى هذا المعنى، وتَخْصِيصُ الخِلاَفِ بالرَّطْبَةِ مَيْلٌ إلى الجَزْم بالمَنْعِ في غيرها، والجمهور جَوَّزُوا التبسُّط في الكُلِّ، ولم يذكروا خِلاَفًا. والفَانِيذُ والسُّكَّرُ والأدْوَيةُ التي تَنْدُرُ الحَاجَةُ إليها لا تُلْحَقُ بالأَطْعِمَةِ المُعْتَادَةِ لِنُدُورِ الحَاجَةِ إليها، فإن احْتَاجَ إليها مَرِيضٌ منهم أخذ ما يحتاج إليه بالقِيمَةِ، وينبغي أن يُقَالَ: يراجع أَمِيرُ الجُيُوشِ فيه. هذا هو المَشْهُورُ.
وعن "الحاوي" وَجْهَانِ آخران:
أحدهما: الإبَاحَةُ؛ لأَنَّ تَنَاوُلَهَا عند الحَاجَةِ أَهَمُّ وأَوْلَى بالتَّرْخِيصِ.
والثاني: أَنَّ ما لا يُؤْكَلُ إلاَّ تَدَاوِياً يُحْسَبُ عليه، وما يُؤْكَلُ لِلتَّدَاوِي وغيره لاَ يُحْسَبُ، والمَنْفَعَةُ المُعْتَبَرَةُ في البَاب هي مَنْفَعَةُ الأَكْلِ والشُّرْبِ وَالعَلَفِ.
وفي جواز أَخْذِ الشُّحُوم والأَدْهَانِ لتوقيح الدَّواب، وهو مَسْحُهَا بالمذاب وهوَ المغلي منها, ولجربها وجهان نقلهما الإمَامُ وَصَاحِبُ الكتاب.
أحدهما: الجَوَازُ كَعَلَفِهَا.
وأصحهما: وهو في سِيَرِ الوَاقِدِيِّ المَنْعُ كما في التَّدَاوِي بالأَدْوِيَة، وعلى الوجه الأول ينبغي أن يَجُوزَ الادِّهَانُ بها, ولا يجوز إِطْعَامُ البُزَاةِ والصُّقُورِ من الغَنِيمَةِ، بخلاف الدَّوَابِّ المُحْتَاجِ إليها للرُّكُوب والحمل، ولا يجوز أَخْذُ سائر الأَمْوَالِ، ولا الانتفاع بها كَلبْسِ الثياب، ورُكُوبِ الدَّوَابِّ، فلو خالف لَزِمَتْهُ الأُجْرَةُ، كما يُلْزَمُ الضَّمَانَ إذا أتْلَفَ بَعْضَ الأعيان ويروى عن رُوَيْفِع بْنِ ثابِتٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ. حَتَّى إِذَا أَعجفها رَدَّهَا إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، فَلاَ يَلْبَس ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ" (2).