ونَخْتِمُ هذه الفُصُولَ بفروع: منها: وهو المذكور في الكتاب: ليس للغانم أن يُقْرِضَ ما أَخَذَهُ من الطَّعَامِ أو العَلَفِ من غير الغَانِمِينَ، أو يَبِيعَهُ، وإن فعل، فعلى مَنْ أَخَذَهُ رَدُّهُ إلى المَغْنَمِ، وإن أَقْرَضَهُ غَانِمًا آخر، ففيه وجهان:
أحدهما: أن للمقرض مُطَالَبَةَ المُسْتَقْرِضِ بِعَيْنِهِ، أو بِمِثْلِهِ ما داما في دَارِ الحَرْبِ؛ لأنه إذا أَخَذَ صار أَحَقّ به، ولم تَزُلْ يَدُهُ عنه إلا بِبَدَلٍ.
والثاني: وهو الذي ذكره الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ: أنه لا مُطَالَبَة، ولا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ؛ لأن المُسْتَقْرِضَ من أهل الاسْتِحْقَاقِ. وأيضاً فإذا حَصَلَ في يَدِهِ، فكأنه أَخَذَهُ بنفسه.
والوجه الثاني أَصَحُّ عند الإِمام، ونَظْمُ الكتاب يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الأول، وبه قال أكثرهم، وحَكَوهُ عن نَصِّهِ في سِيَرِ الوَاقِدِيِّ.
والوجهان مُتَّفِقَانِ على أنه لَيْسَ ذلك قَرْضًا مُحَقّقاً؛ لأن الآخِذَ لا يَمْلِكُ ما يَأْخُذُهُ حتى يملكه (1) لغيره، ولذلك قال صَاحِبُ الوَجْهِ الأول: إِنه يُطَالِبُهُ بِرَدِّ مثله من المَغْنَمِ لا من خَاصِّ مِلْكِهِ. ولو رَدَّ عليه مَنْ خَالِصِ مِلْكِهِ لم يَأْخُذْهُ المقرض؛ لأن غَيْرَ المَمْلُوكِ لا يقابل المَمْلُوكَ، حتى لو لم يكن في المَغْنَمِ طَعَامٌ آخر تَسْقُطُ المطَالَبَةُ، وإذا ردّ من المَغْنَمِ صار الأَوَّلُ أَحَقَّ به؛ لحصوله في يَدِهِ.
وعلى الوجه الأَوَّلِ إذا دَخَلُوا دَارَ الإسْلاَم انْقَطَعَتْ حُقُوقُ الغانمين عن أطْعِمَةِ المَغْنَمِ، فيرد المُسْتَقْرِض على الإِمام. وإذا دخلوَا دَارَ الإسْلاَمِ، وقد بقي عين المُسْتَقْرَضِ في يد المُسْتَقْرِضِ، بُنِيَ ذلك على أن البَاقِي من طَعَامِ المَغْنَمِ هل يجب رَدُّهُ إلى المَغنَمِ؟
إن قلنا: نعم. رَدهُ إلى المَغنَمِ.
وإن قلنا: لا. فإن جَعَلنَا لِلْقَرْضِ اعْتِبارًا، فيرده إلى المُقْرِضِ. وإن قلنا: لا اعتبار له، فلا يَلْزَمُهُ شيء. هذا ما يُوَافِقُ اخْتِيَارَ الشيخ أبي حَامِدٍ، لكن المَحْكِيَّ عنه هاهنا أنه يَرُدُّهُ إلى المُقْرِضِ.
ومنها: أنه لو بَاعَ الغَانِمُ ما أَخَذَهُ من غَانِمٍ آخر، فهذا إِبْدَالُ مُبَاحٍ بِمُبَاحٍ، وهو كإبدال الضَّيفَانِ لُقْمَةً بلُقْمَةٍ، وكل واحد منهما أَوْلى بما تَنَاوَلَه من يَدِ الآخر، ولو تَبَايَعَا صَاعًا بِصَاعَيْنِ لم يكنَ ذلك رِبًا؛ لأنه ليس بِمُعَاوَضَةٍ محققة (2)، بل هو كما لو كان في