على إعْلاَءِ كلمة الله -تعالى- والمُفْلِسُ الذي حَجَرَ عليه القَاضِي لإحَاطَةِ الدُّيْونِ به، يصح إِعْرَاضُهُ؛ لأن اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ بِمَثَابَةِ ابْتِدَاءِ الاكْتِسَابِ؛ وليس على المُفْلِسِ الاكْتِسَابُ.
وأيضاً فالإعْرَاضٌ بِمحْضِ الجِهَادِ لِلدَّارِ الآخرة، والمُفْلِسْ فيه كغيره. قال الإِمام: ولو كان الغَانِمُ سفِيهاً مَحْجُورًا عليه، ففي صِحَّةِ إِعْرَاضِهِ تَرَدُّدٌ، ولَعَلَّ الظَّاهِرَ أن حَقَّهُ يلزم وليس له إِسْقَاطُ المِلْكِ، أو إِسْقَاطُ حَقِّ المِلْكِ، فلو صار رَشِيدًا قبل القِسْمَةِ، وانْفَكَّ الحَجْرُ عنه، صَحَّ إعْرَاضُهُ، ولا يَصِحُّ إِعْرَاضُ الصَّبِيِّ عن الرَّضْخ، ولا إعراض الولي عنه، فإن بَلَغَ قبل القَسْمَةِ، صَحَّ إِعْرَاضهُ، ولا يَصِحُّ إعراض العبد (1) عن الرضخ، ويصح إعراض سيده فإنه حقه وهل يَصِحُّ إِعْرَاضُ السَّالِبِ عن السَّلَبِ؟.
فيه وجهان عن رِوَايَةِ الشَّيْخِ أبي محمد:
أحدهما: نعم كَإِعرَاضِ سائر الغَانِمِينَ عن الغَنِيمَةِ.
والثاني: لا؛ لأنه متعين عليه لتَعين الحِصَصِ بالقِسْمَةِ.
وأيضاً فإنه لما كان مُتَعَينًا كان شَبِيهًا بالوَارِثِ، وإلى هذا التَّوْجِيهِ أشار بقوله في الكتاب "والسالب متعين" وشَبَّهَ الإِمام هذا الخِلاَفَ بالخلاف في إِعْرَاضِ جميع الغانمين عن الغنيمة فإن جُمْلَةَ المَغْنُومِ مُتَعَيِّنَةَ لهم، وقد يرجّح الثاني، وُيؤَيِّدهُ ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ" (2).
قال الغَزَالِيُّ: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ الغَنِيمَةِ قُدِّرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَقُسِّمَ عَلَى البَاقِينَ.
قال الرَّافِعِيُّ: فيه ثَلاثُ مسائل:
إحداها: الصحيح أن من أعرض عن الغنيمة يقدر، كأنه لم يحضر مع القَوْمِ، ويُقَسَّمُ المَالُ خُمُسًا وأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ، وفيه وجه: أن نَصِيبَ المُعْرِض يضم إلى الخُمُسِ؛ لأن المَغَانِمَ في الأَصْلِ لله -تعالى- على ما قال تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ} الأنفال: 1 فمن أعرض رجعت حِصَّتُهُ إلى أصلها، فيجوز أن يُعَلَّمَ لهذا قوله: "على الباقين" بالواو، والمراد بالبَاقِي بَاقِي المُسْتحقّ، لا باقي الغانمين.
قال الغَزَالِيُّ: وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الإعْرَاضِ قَامَ الوَارِث مَقَامَهُ* وَمِنْ هَذَا نَشَأ خِلاَفٌ فِي المُلْكِ فَفِي قَوْلٍ لاَ تُمْلَكُ الغَنِيمَةُ إلاَّ بِالْقِسْمَةِ* وَفِي قَوْلٍ: تُمْلَكُ بِالاسْتِيلاَءِ مِلْكًا ضَعِيفًا