والوجهان في المسألة كالوجهين فيما إذا أغفل المتوضئ لمعة في المرة الأولى، وانغسلت في الثانية، أو الثالثة، هل يجزئه؟ وقد ذكرنا في "باب الوضوء" أن الأصح عند المعتبرين الإجزاء بخلاف ما إذا انغسلت في تجديد الوضوء، لأن قضية نيته في ابتداء الوضوء أن لا يقع شيء عن السنة حتى يرتفع الحدث، كذلك هاهنا قضية نيته السابقة أن لا يكون الجلوس عن الاستراحة إلا بعد الفراغ من السجدتين، ولو تردد في أنه جلس بعد السجدة المفعولة أم لا؟ فالحكم كما إذا علم أنه لم يجلس.
وقوله في الكتاب: (فليجلس ثم ليسجد) ينبغي أنه يعلم بالميم؛ لأن عند مالك أن ذكر الحال بعد أن ركع في الثانية واطمأن فلا يعود إلى السجود، بل تلغى الأولى وتصير الثانية أولاه، وإنما يعود للسجود إذا تذكر قبل الركوع وبالألف أيضاً؛ لأن عند أحمد إن ذكر بعد الشروع في القراءة لا يعود إلى السجود، بل تلغى الأولى ويعتد بالثانية، وإنما يعود إذا ذكر قبل الشروع في القراءة.
لنا أن ما أتى به من الأولى وقع صحيحاً فلا يبطل بترك ما بعده كما إذا تذكر قبل الركوع عند مالك، وقبل القراءة عند أحمد، ويجوز أن يعلم بالحاء أيضاً؛ لأن عند أبي حنيفة -رحمة الله عليه-: يكفيه أن يسجد في آخر صلاته سجدة فتلحق بموضعها، ولا يرجع إلى السجود، وكذلك الحكم عنده لو ترك سجدة عمداً، حكاه القاضي الروياني، وغيره، وليعلم قوله: (فليجلس) بالواو أيضاً، وكذلك قوله: (والقيام لا يقوم مقام الجلسة) إشارة إلى الوجه الذي ذكرناه أنه يسجد عن قيام ولا يجلس.
وفي قوله: (فليجلس ثم ليسجد) ما يفيد أصل الفرض (1)، ويبين أن القيام لا يقوم مقام الجلسة، لكن عقبه به إيضاحاً وتنبيهاً على ما يتمسك به صاحب الوجه البعيد.
وقوله: (بعد السجدة الأولى) في موضعين من الفرع إنما سماها أولى بالنسبة إلى ما سيفعله من بعد، وإلا فليس قبل التذكر إلا سجدة واحدة.
الحالة الثانية: أن يتذكر الحال بعد أن يسجد في الثانية، فينظر إن تذكر بعد السجدتين معاً، أو في الأخرى منهما فقد تم بما فعل ركعته الأولى، ولغى ما بينهما، ثم إن كان قد جلس في الأولى على قصد الجلسة بين السجدتين فتمامها بالسجدة الأولى، وكذا إن كان قد جلس على قصد الاستراحة وأقمناها مقام الجلسة بين السجدتين، وإن لم يجلس أصلاً، أو جلس على قصد الاستراحة ولم يكتف بها، فإن قلنا: إذا تذكر في القيام والحالة هذه يجلس ثم يسجد، وهو الأصح، فتمام الركعة الأولى هاهنا بالسجدة الثانية، وإن قلنا: ثم يسجد عن قيام فتمامها بالسجدة الأولى،