وما يَصْطَادُ مِن السباعِ كالكلبِ، وحكمُوا بحِلِّ ما قتله مِنَ الصَّيْدِ.
نَعَمْ قال الإمامُ: الفهدُ لا يتم فيه الانْطِباعُ ولا ينزَجِرُ إذَا زُجِرَ، ولا يتوقفُ اسْتِشْلاَؤُه على أَشْلاَءَ، ولا يَترُك الأكل، وإنْ كَانَ قد لا يتبادر إليه حتى يَسْتَوْثِقَ من الفَرِيسَةِ ويَسْكُن ولا يَتَأتَّى كَفُّه عن الأكلِ بالضربِ لأنَّهُ لو ضُرِب عادَ إلى اسْتِيحاشِه في تصورِ انْطِباعِهِ، فحكمهُ حكمُ الكلْبِ المعَلَّم، وإنْ لم يُتَصَوَّرْ فمقصودُ صاحب الفَهْدِ أنْ يضبِطَ الصيدَ (1) ليذبحَه صاحبُهُ تحت ضَبْطه، وذكرَ في الوَسِيطِ أنَّه لا يتعلَّمُ، ولا يُطاوعُ بترك الأكْلِ، والانْزِجَارِ بالزَّجْرِ، فإنْ تُصُوَّرَ ذلك على نُدورٍ فهو كالكلبِ، ومقصودُهما من هذا الكلام أنه يبعد مِنْ حالة أنْ يَصِيرَ مُعَلَّماً؛ لكن لو اتفق ذلك عَلى نُدورٍ -فحُكْمُهُ حكمُ الكَلْبِ، ونَحَا صاحِبُ الكتاب نحوَ مَا ذكراه (2)، إِلاَّ أَنَّهُ لم يَسْتَدْرِك ما إذَا قُدِّرَ تعلُّمه نادِراً ولا بد (3) منه.
وأمَّا قولُهُ: "والبَازِيُّ -أيْضاً- لاَ يَتْركُ الأكْلَ
.... " إلى آخِرِهِ، فاعْلَمْ أَنَا حكَيْنَا خِلاَفاً في أَنَّ تَرْكَ الأكْلِ: هَلْ يُشْتَرطُ في الطيورِ لتكونَ مُعَلَّمةً؟
وخِلاَفاً في أنَّهُ إذا جُعِلَ ذلك شَرْطاً، فلو أكَلَتْ: هل يحِلُّ الصيدُ؟
والأشبهُ أَنَّهُ أراد بما ذكره الخلافَ الأولَ؛ لأنَّه الذي أورَده في "الوَسِيط" إِلاَّ أنَّهُ أبدلَ القولَيْنِ بالوجْهَيْنِ. ولأنَّ التوجيه المذكورَ به أَلْيقُ، وتلخيصُ ما قدَّمَ منه على الحكم وأَخَّر أنَّ البازِيَّ وسَائِرَ الطيورَ لا تتركُ الأكْلِ غالِباً، ولا يمكن أن تُعلَّمَ تَرْكَ الأَكْلِ؛ لأنَّهَا لا تَحْتَمِلُ الضربَ، ولا بد وأن يكونَ في جِنْس الطيور جَوَارحُ يُصْطَادِ بِهَا، وأمَّا في جَوَارحِ السِّبَاعِ ففي الكلبِ غُنْيَةٌ عن غَيْره وأنَّه يتَأدب بترك الأكْلِ.
وقولُهُ -في التَّصْوِيرِ "ولكن إنْ صَارَ مُعَلَّماً" أي إن وُجِد فيه سائرُ شُرُوطِ أَرْكَانِ التَّعْلِيمُ وإلاَّ فمَنْ يُشترِطُ تركَ الأكلِ لا يسلم كونه معلماً إذا لمُ يترك الصيد، ولو ترك هذه اللفظَةَ لم يضر.
قال الغَزَالِي
ُّ: (الرُّكْنُ الرَّابعُ) نَفْسُ الذَّبْحِ وَالاصْطِيَادِ* وَالذَّبْحُ سَيَأْتِي فِي الضَّحَايَا* وَأَمَّا الاصْطِيَادُ فَهُوَ إِمَاتَةُ الصَّيْدِ بِآلَةٍ وَهُوَ كُلُّ جُرْحٍ مَقْصُودٍ حَصَلَ بِهِ المَوْتُ* وَللْقَصْدُ ثَلاَثُ دَرَجَاتٍ (الأولَى) أَصْلُ الفَعْلُ وَلاَ بُدَّ مِنْهُ فَلَوْ سَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ أَوْ نَصَبَ مَنْجَلاً في الشَّبَكَةِ أَوْ سِكِّيناً فِي البِئْرِ فَتَعَقَّرَ بِهِ الصَّيْدُ فَحَرَامٌ* وَلَوْ حَصَلَ قَطْعُ الحَلْقِ بِحَرَكَةِ اليَدِ وَحَرَكةِ الحَيَوَانِ فَحَرَامٌ* وَكَذَا فَرِيسَةُ الكَلْبِ المُسْتَرْسَلِ بِنِفْسِهِ* فَلَوْ