وعَنْ مالكٍ روايتانِ كالوَجْهَيْنِ. ولو كانَ الإغراءُ وزيادةُ العَدْوِ بعدما زجره، فلم ينزجرْ -ففيهِ الوجْهَانِ بالترْتِيب، وهذه الصورةُ أَوْلَى بالتحرِيم؛ لظهور تَأبِّيه وترك مُبَالاَتِه بإشارةِ الصَّائد، وبالتحريم أجابَ أصحابُنا العراقِيُّون قال الإمامُ: وللتردُّدِ التفاتٌ إلى أنَّ الانزجارَ بالزجْرِ في أَثْناء العَدْوِ: هل يُعْتَبَرُ في أَصْل التَعلِيم (1)؟ وإذا جمعَ بين الصُّورتَيْنِ حصل ثلاثةُ أوجه:
ثَالِثُها: الفرْقُ بين أنْ يكونَ الاغراءُ بعدما زَجَرَهُ فلم يَنْزَجر، فيحرمُ، أَوْ قبلَهُ فلا يَحْرُم، ويتعلَّقُ بالخلافِ المذكور ثلاثُ صُوَرٍ.
إِحْدَاهَا: إذا أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كلْباً وأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ: فَإنْ زاد عدْوُه فإن قلْنا (2) لا ينقطِعُ هناك حكمُ الاسترسالِ -فيحلّ الصيد هاهنا، ولا يُؤثر إغراءُ المجُوسِي- وبهذا قال أحمدُ، وهو الذي أجراه الشيخُ أَبُو مُحَمَّدٍ في كلامِه.
وإِنْ أحلْنا الاصطيادَ على الإغْرَاءِ، وقطَعْنَا حكَ الإرسالِ -لم يحلَّ، وبه قال أَبُو حَنِيْفَةَ، واختاره القاضي أَبُو الطَّيب- هكذَا خَرَّج الأكْثرُون الصورَ على (3) الخلافِ، وقطعَ في "التهذِيب" بالتحريم، وقَال: الإغراءُ إِمَّا أن يَقْطَعَ الحكْمَ الأول، أو يُوجِبَ الشَّرْكةَ، وعلى التقديريْنِ يلزمُ التحريمُ.
الثَّانِيَة: لو أَرْسلَ المجُوسِيُّ كلباً، فأغراهُ مُسلْمٌ، وزاد عَدْوُه: فَإنْ قُطِعَ الإغراءُ الذي زاد به العدْوُ -حُكْمْ حِلُّ الصيدِ، وإلاَّ لم يَحِلَّ، ورَوَى الرُّوَيانِيُّ القطعَ بالتحرِيمِ، وقالَ: إذا وُجِدَ الإرسالُ (4) في الانتهاءِ فلا يُقْطَعُ حكم الإرسالِ الأَوَّلِ.
الثَّالِثَةُ: إذَا أرسَلَ إنسانٌ كلْبَهُ، فزجره فَضُولِيٌّ، فَانْزَجر ثم أَغْراه؛ فَاسْترسَلَ، وأَخَذَ صَيْداً، فلِمَنْ (5) المِلْكُ في الصيد: لِلْغَاصِبِ أو لصاحبِ الكلبِ؟ فيه وجهان مذكوران في "كتاب الغَصْبِ".
أَصَحُّهما: أنَّه للغاصِبِ.
ولو زجره فلم ينزجِرْ وأغراه، أو لم يزجره بل أغراه فازداد عَدْوُه، وفرعنا على أنَّ الصَيدَ للغاصِبِ فيخرَّجُ على الخِلاَفِ في أن الإِغْرَاءَ: هل يقطَعُ حكْمَ الابتداء أم لاَ؟
إنْ قُلنَا: لا، وهو الأَصَحُّ فالصيدُ لصاحب الكلب، وإلاَّ فَلِلفَضُوليِّ.
قال الإمامُ: ولا يمنعُ خروجُ وجهٍ في أَنَّهُمَا يشترِكانِ في الملكِ.