قَتَلَهُ غيرُه، لم يدخل أَرْشُ اليدِ في بدلِ نَفْسٍ ضمنها الآخرُ، ثم يرجع الأول على الثاني بنصف أَرْشِ جنايته؛ لأنه جَنَى على النصفِ الذي ضمنه الأولُ، وقومناه (1) عليه قبل جِنَايَتِهِ، ومن غُرّم شَيْئًا بكمال قيمته، له أنْ يرجِعَ على مَنْ جَنَى عليه بما يُنْقِصُه؛ أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا، وجنى عليه آخرُ فخرقَهُ، ثم تَلِفَ الثوبُ، وضمن المالك الغاصب تمام القيمة، فإنه يرجِعُ على الجاني بأرْشِ التخرِيق، وإذا رجع عليه استقَرَّ على كُلِّ واحدٍ منهما خمسةٌ، وعلى هذا فالمالِكُ مُخَيّر في نِصْفِ دينارٍ بين أَن يأخذه من الأول أو الثاني.
ولو نقصت الجنايةُ الأُولَى ديناراً، والثانية دِينارَيْن، فعلى الأولِ أَرْبعةٌ ونصْفٌ، وعلى الثَّانِي خمسةٌ ونِصْفٌ.
أما على طريقة المُزَنِيُّ: فلأن على الأول أَرْشَ جِنايتهِ، وهو دِرْهَمٌ، ونصْفُ القيمة بعد الجنايَتَيْن وهو ثلاثة ونِصْف، وعلى الثاني أَرْش الجناية ديناران، ونِصْف القِيمة ثلاثة ونصف.
وأَمَّا على طريقَةِ أَبي إسحاقَ: فعلى الأَوَّلِ: نصْفُ قِيمة يومَ (2) جنايته، وهو خمسةٌ، ونصفُ أَرْشِ جِنايتِه، وهو نصفُ دِينارٍ، وعلى الثاني: نصفُ قِيمة يوم جنايته، وهو ثلاثةٌ ونصفٌ، ونصفُ أَرْش جنايتهِ وهو دِينارٌ، ثم يرجع الأول على الثاني بنصف أَرْشِ جنايته وهو دينارٌ (3)، فيستقر على الأَوَّلِ أربعةٌ ونِصْفٌ، وعلى الثاني خمسةٌ ونِصْفٌ، ولو نقصت الجنايةُ الأُولَى دِينارَيْنِ، والثانية دِينارًا -انْعَكَس الحُكْمُ، فعلى الأولِ خَمْسةٌ ونِصْفٌ، وعلى الثاني أَرْبَعةٌ ونِصْفٌ، وعليكَ بتخْرِيجه على الطَّرِيقَيْنِ، وضعَّفوا هذا الوجهَ من وجهيْن:
أَحدُهما: أن فيه إفرادَ الأَرْشِ عن بدل النفْسِ، وهذا خلافُ الأصُولِ المُمهدَةَ.
والثَّانِي: أَنَّ فيه تسويةً بين الأَوَّلِ والثَّانِي، ومعلومٌ أن الأولَ جَنَى، وموردُ الجنايةِ يساوي عَشَرَةً، والثاني جنى وهو يساوي تِسْعَةً.
والثَّالِثُ: ونسبه الإمامُ إلى اختيار القفَّالِ، أنه يجبُ على الأول خمسةٌ ونِصْفٌ، وعلى الثَّانِي خمسةٌ؛ لأن جنايَةَ كُلِّ واحدٍ منهما نقصت (4) ديناراً، ثم سَرَتِ الجنايتانِ إلى الهَلاَكِ، والأَرْشُ يسقط إذا صارت الجناية نَفْساً، فيسقطُ نِصْفُ الأَرْشِ عن كُلِّ واحدٍ منهما؛ لأن الموجودَ منه نصفُ القتل، ويبقى النصفُ، واعترض عليه بأنَّ فيه زيادةَ الواجبِ عن المتلَفِ.