وقوله: (أخذ بأسوأ التقديرين المذكورين وأسوأ التقديرين) (1) ما إذا ترك سجدة من الأولى، وثنتين من الثانية، وواحدة من الرابعة، ولا يجب عند الإشكال الحمل على هذه الصورة بعينها، فإن لها أخوات في معناها كما بَيَّنا، وإنما الواجب الحمل عليها، أو على شيء منها.
وقوله في آخر الفصل: (ثم لا يخفى أنه يسجد للسهو في جميع ذلك) أي: في جميع مسائل الفصل، ويمكن عدّها من قسم ترك المأمور؛ لأن الترتيب مأمور به، وتركه عمداً مبطل، فإذا سها سجد، ومن قسم ارتكاب المنهي أيضاً؛ لأنه إذا ترك الترتيب فقد زاد في الأفعال والأركان.
قال الغزالي: الثَّالِثُ: إِذَا قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ نَاسِيًا فَإنْ انْتَصَبَ لَمْ يَعُدْ إِلَى التَّشَهُّدِ، لِأَنَّ الفَرْضَ لا يُقْطَعُ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بَطُلَتْ صَلاتُهُ، وَإِنْ عَادَ جَاهِلاً لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْو، وإنْ كَانَ مَأْمُومًا وَقَعَدَ إِمَامُهُ جَازَ الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ القُدْوَةَ فِي الجُمْلَةِ وَاجِبَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّقَدُّمُ بِهَذَا القَدْرِ مُبْطِلاً، وَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ الانْتِصَابِ فَيَرْجِعُ ثُم يَسْجُدُ للسَّهْو إِنْ كَانَ قَدِ انْتَهَى إِلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ لِأَنَّهُ زَادَ رُكُوعاً.
قال الرافعي: قد سبق أن فوات التشهد الأول يقتضي سجود السهو، وفي هذا الفصل يتبين أنه متى يفوت، وإلى متى يجوز تداركه بالعود إليه، وإذا عاد إليه هل يحتاج إلى سجود السَّهْوِ أم لا؟ فنقول: إذا نَهَضَ من الركعة الثانية ناسياً للتشهد، أو جلس ولم يقرأ التشهد، ونهض منه ناسياً، ثم تذكر فلا يخلو إما أن يتذكر بعد الانتصاب أو قبله.
الحالة الأولى: أن يتذكر بعد الانتصاب، فلا يجوز له العود إلى التشهد خلافاً لأحمد، حيث قال: يجوز ما لم يشرع في القراءة، والأولى أن لا يعود، وحكى القاضي ابن كج عن أبي الحسين عن بعض (2) الأصحاب مثل ذلك.
لنا ما روي عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ الرَّكْعَتَينِ فَلَم يَسْتَتِمَّ قَائِماً، فَلْيَجْلِسْ، وَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِماً فَلاَ يَجْلِسْ وَيسْجُدْ سَجْدَ السَّهْوِ" (3) ولأن القيام فرض، والتشهد الأول سُّنة لما سبق، والفرض لا يقطع بالسُّنَّة، فلو خالف وعاد؛ نظر إن تعمده وهو عالم بأنه لا يجوز العود بطلت صلاته،