تَقْدِيمُها عليه؟ قضية ما ذكره الإمامُ تخريجه على وجهيْنِ ذكرناهما في جَوازِ تقْديِم النيةِ على تَفْرِقَةِ الزكاةِ والأظهرُ الجوازُ.
وإذا قال: جعلتُ هذه الشاةِ ضَحِيَّةً فهل يُغْنِيه التعيينُ والقصد عن نِيَّةِ الذبح؟ فيه وجهان:
أَحدُهما: نَعَمْ، ولا حاجَة إِلَى نية أُخْرَى كما لو قال لعبده: أَعْتَقْتُكَ.
والثَّانِي: لاَ؛ فإن التضحيةَ قُرْبةٌ في نَفْسِها فتحتاج إلى النيةِ وذكر الإمامُ أَنَّ الأولَ المذهبُ، واقتصر صاحبُ الكتابِ على إيرادِه، والأَقْرَبُ (1) الثاني وترجِيحُه.
قال الشيخُ إِبْرَاهِيمُ المَرْوَزِيّ، والقَاضِي الرُّوَيانِي وغيرُهما: وليكن الوجهانِ مُفَرَّعَيْنِ على جَوَازِ تقديم النيةِ على الذبح، فإن لم يُجوَّزة فَلْنَقْطَعْ باعتبارِها عند الذبح.
ولو التزمَ أضحية في ذِمَّتِه ثم عَيَّنَ شاةً عما في ذِمَّتِه بني على أن المُعَيَّنَةَ (2) هل تتغيرُ عن المُطْلَقةِ في الذِّمَّةِ؟ إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، ففيه الخلافُ المذكورُ في الصورة السابقة.
وإن قُلْنَا: لا، فلا بُدَّ من نيَّةِ الذبْح، وإن فوَّضَ الذبْحَ إلى غيره ونوى عند ذَبْحِ الوَكِيل كفى ولا حاجةَ إلى نِيَّةِ الوكِيلِ بلَ لَوْ لَمْ يعْلَمْ أنه مُضَحٍّ، لم يَضُرَّ، وإن نوى عند الدَّفْعِ إلى الوَكِيلِ دُونَ الذَّبْحِ خُرِّجَ على الخِلاَفِ في جواز التقديم على الذبح.
ويجوزُ أن يُفَوِّضَ إلى الوكِيل النيةَ كما يفوضُ إليه الذبحَ، وقد سبق نظيرْه في "الزكاة" وهذا إذا كان الوكيلُ مُسْلماً، فإن كان كِتابِيّاً لم يَجُزْ تفويضُ النيةِ إليه.
الثَّالِثَةُ: العبدُ القِنُّ، والمدبرُ، والمستولدَةُ، لا تجوزُ لهم التضحيةُ إذا قلنا بالصحيح: وهو أَنَّ العبدَ لا يَمْلِكُ بالتمليك، فإن أَذِنَ السيِّدُ -وقعت التضحيةُ عنه، فإن قُلْنا: إنهم يَمْلِكون بتملِيكِ السيد لم يجز لهم التضحيةُ أيضاً من غير إِذْن السيد؛ لأن حَقَّ السيدِ لم ينقطِعْ عنه بل له الانتزاعُ؛ فإن أَذِن وقَعَتِ الأُضْحيةُ عنهم كما لو أَذِن لهم في التصدُّقِ (3)، وليس له الرجُوعُ بعد الذَّبْحِ، ولا بَعْد جَعْلِها ضحيةً والمُكَاتَبُ لا يُضَحِّى بغير إِذْن السيد، فإن أَذِن فقولان؛ بناءاً على القَوْلَيْنِ في نفُوذِ تبرعاتِه بإذْنِ السيد.
ومَنْ بعضُه رَقِيقٌ إذا ملك شيئاً ببعضِه الحرّ فله أَنْ يضحي بها ولا يحتاجُ إلى إِذْن السيد كما لو تصدَّقَ بملكه.