"التهذيب" ما يدل على أنهما، لو تراضيا على نوع من جانب، ونوع آخر من الجانب الآخر، يجوز أيضاً، وهذا هو قياس الابتداء، ولو اختار أحدهما نوعاً، وقال الآخر: بل ترمي نوعاً آخر، فالحكاية عن "الحاوي": أنهما، إن أصرَّا على هذا التنازع يفسخ العقد، وفي "الوسيط": بناء الأمر على أن عقد المناضلة جائزٌ أم لازم؟ إن قلنا: جائز، فهو رجوع، وإن قلنا: لازمٌ، فقد تعذَّر إمضاء العقد، فيفسخ، ولم يذكره الإِمام هكذا، ولكن قال: إن حكمنا بالجواز وتمانعا، فُسِخَ العقد، وإن حكمنا باللزوم، فالوجه أن نحكم بان الإِطلاق مفْسِد؛ لإِفضائه إلى التنازع المذكور وتعذر الفصل، وقضية القول بأنه رجوع ارتفاع العقد بالتنازع، وقضيةُ القولِ بالفَسْخُ بقاؤُهُ مع التنازع إلى أن يُفْسَخ، فيخرج من هذا وجهان؛ إذا فَرَّعْنا على الصحَّة وتنازعا في التعيين.
وقوله في الكتاب "اتحاد الجنس وتعيينه" من باب ما يطلق من التراجم في المذهب إلى أن يتبين الخلاف آخرًا، وقد تبين في الآخر الخلافُ في استرداد اتحاد الجِنس، وكذا الخلاف في أنه، يشترط التعرّض للجنس أو يجوز الإِطلاق؛ ويمكن أن يُعلَّم قولُه "فلا يؤثر" بالواو؛ للخلاف المذكور في "النُّشَّاب والنبل".
وكذا قوله "نَزَلَ على الأغلب" لإِطلاق من أطلق الوجهين، ولم يفرق بين أن يكون هناك غالب أو لا يكون، وقوله "وإلا فسد" يجوز أن يريد ارتفاعه، كما هو قضية إيراد "الوسيط"، ويجوز أن يريد أنه يرتفع، كما هو قضية كلام الإِمام، ويجوز إعلامه بالواو؛ للوجه المخالف لما أراد.
فَرْعٌ: قال الإِمامُ اختلاف السهام، وإن اتحد نوع القوس، كاختلاف نوع الفرس، وبيانُه أن الرمي بنبال الحسبان التي يُقال لها: الناول إنما يكون بالقوس الفارسية، لكنها مع الآلة المتصلة بها كنوع آخر من القوس وكذا قوس الجرح مع قوس اليد والجرح والناول مختلفان.
قَالَ الغَزَالِيُّ: الثَّالثُ: أَنْ تَكُونَ الإِصَابَةُ المَشْرُوطَةُ مُمْكِنَةٌ لاَ مُمْتَنِعَةً وَلاَ وَاجِبَةً، وَالمُمْتَنِعُ إِصَابَةُ مِائَةٍ عَلَى التَّوَالِي وَهَذَا فَاسِدُ، وَالوَاجِبُ إصَابَةُ الحَاذِقِ وَاحِداً مِنْ مِائَةٍ، وَهَذَا يَصِحُّ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَفَائِدَتُهُ التَّعَلُّمُ، وَأمَّا المُمْكِنُ عَلَى نُدُورٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ عُلِمَ قَطْعاً أَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ عُلِمَ قَطْعاً أَنَّ المُحَلِّلَ يَفُوزُ فَعَلَى الوَجْهَيْنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: المناضلة على شرط إصابة تقرب وتتوقع صحيحةٌ، وإن شرط ما هو ممتنع في العادة، فالعقد فاسدٌ؛ لأنه لا يقضي إلى مقصوده؛ لأن المقصود من بذل المال الحثُّ على الرماة طمعاً في المال، والممتنع لا يُسْعَى فيه، والامتناع تارة يكون