أحدهُما: أنه ليس بخَسْق؛ لأنه لم يثبتْ، والثبوتُ يحتاج إلى ضَبْط وحَذَقٍ، فإذا مرق، دلَّ على قصور منه.
وأظهرهُما: أنه خَسْق؛ لأنَ الخَرْقَ قد حَصَلَ، وبالمروق بعده يدل على زيادة القوة، وليس الغرض من ذكر الثبوت في تفسيره هيئته، وإنما الغرض أن تقوى الرمية؛ بحيث يتأتى معها الثبوت.
والثاني: القطعُ بأنه خَسْق؛ لأن الشافعيَّ -رضي الله عنه- قد صَرَّح بأنه خاسقٌ عنْده؛ والمذهب الآخر حكاه في غيره، وهذا ما اختاره جماعةٌ منْهم القاضيان ابنُ كج والرويانيُّ، ويجوز أن يُعْلم قوله في الكتاب "وقيلَ يشترط الثبوتُ" بالواو.
ولو أصاب السهم طرف الغرض فخرقه، وثبت هناك، فهل يحسب خاسقاً؟ فيه قولان:
أحدهما: لا؛ لأن الخسق إنما هو الثقب في الوسط، وهذا لا يُسَمَّى، ثقباً ولا خرقاً للغرض، وإنما هو شق لطرفه، ويُقَالُ لهذا السهمِ: خارم لا خاسق.
وأظهرُهما: على ما ذكر الشيخ أبو حامد والإِمام: نعم؛ لأنه خرق بالنَّصْل، وثبت، وفي موضع القولين طُرُقٌ.
أولاَها: وهو المذكورُ في الكتاب: أن الخلافَ فيما إذا كان بعضُ خرم النصل خارجاً، فاما إذا أخذ الغرض خرْمَ النَّصْلِ كُلِّه، فقد حصل الخَسْق بلا خلاف.
والثاني: أنه، إذا كان بعضُه خارجاً، لم يكن خاسقاً، بلا خلاف ومحل القولين ما إذا بقيت طفية وجليدة محيطةً بالنصل، ذكره في "التَّهذيب" والطفية الواحدة من الخوص.
والثالث: أنه، إن أبان من الطرف قطعةً، لو لم يُبِنْها, لكان الغرض محيطاً بالنصْل، فهو خاسقٌ قولاً واحداً، والقولان فيما إذا خرم الطرف لا على هذا الوجه.
والرابع: أنه، إذا خرم الطرف، لم يكن خاسقاً بلا خلاف وإنما الخلافُ فيما إذا خرم شيئاً من الوسط، وثبت مكانه، وهذا أبعدها، وعن القفَّال: أنه، لو كان بين النصل وبين الطرف شيءٌ، لكنه تشقق، وانخرم ليبوسة كانَتْ في الشنِّ أو غيرِها، فهو خاسق، ولو فرض ما ذكرنا من إصابة الطرف، والمشروط القَرْعُ أو الإِصابةُ دون الخَسْق، ففيه طريقان:
أحدُهما: طرد القولين، وبه قال أبو الحسن بن القطّان، ووجْه المنعِ، بناءً على الطريقة الأُولَى من طرق موضع الخلاف: أن جميعَ النصَّل لم يُصِبِ الغرض، إنما أصابه بعْضُه.